ينكب الخياط محمود المجذوب في إصلاح قطع من الثياب المستعملة الممزقة أو المهترئة، داخل محله المتواضع في سوق “البازركان” في صيدا، بعدما شهدت مهنته إقبالاً متزايداً من الذين يريدون إصلاح ثيابهم، بسبب عدم قدرتهم على شراء ثياب جديدة جراء الازمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يعاني منها اللبنانيون مع ارتفاع نسبة البطالة والفقر المدقع.
الخياط الخمسيني المجذوب الذي ورث المهنة عن والده يجهد في إصلاح الثياب المستعملة بإحترافية كي يخفي عيوبها قدر الإمكان، وبطريقة تمكّن صاحبها من استخدامها لفترة زمنية اضافية، قبل ان تحال على التقاعد في نهاية المطاف، ويقول لـ “نداء الوطن” إن “تقصير الثياب الجديدة او تضييقها أمر سهل، ولكن تفصيل وترقيع واصلاح عيوب الثياب الممزقة والبالية مختلف تماماً، وتتطلب خبرة وابتكاراً لتصاميم تتلاءم معها من دون تغيير جوهري في مظهرها”، قبل ان يضيف: “قد يتحول ثقب إلى وردة مزركشة بالخرز وإلى حروف محبوكة بعناية، بينما تغطى حقائب الأطفال الممزقة بقطع قماش تتناثر على ثقوبها وتمنحها ألواناً زاهية”.
منذ أشهر قليلة، إزداد الاقبال على محلات الخياطة في المدينة لترقيع واصلاح الثياب القديمة بعد ارتفاع اسعار الجديدة، ارتباطاً بسعر صرف الدولار، ويعزو “أبو يحيى” السبب الى الازمة المعيشية الخانقة التي تكاد لا تترك مجالاً لتوفير قوت اليوم فقط، فيما تكلفة اصلاح القديمة يبقى زهيداً وتبلغ نحو ثلاثة آلاف ليرة لبنانية فقط”، مؤكداً “لم نرفعها بسبب شعورنا بالمسؤولية مع الناس رغم غلاء ادواتها من الابرة الى الخيط”.
تراجع وأسباب
وهذا الاقبال كان ليبلغ ذروته لولا التراجع في الوقت نفسه لأسباب عديدة منها تفشي جائحة “كورونا” اذ يفضل الكثير من الناس عدم ارتياد المحلات، ومنها “الركود القاتل” في شراء الثياب الجديدة حيث يعتمد الخياطون في المدينة على تقصيرها أو تضييقها، ناهيك عن الارباك في بدء العام الدارسي وتقصير الزي المدرسي أو اصلاح الحقائب، والأهم قيام بعض الناس أنفسهم بدور الخياط وتقصير او اصلاح ثيابهم اذا توفرت لديهم “ماكينة” خياطة او حتى بالابرة والخيط للتوفير وعلى قاعدة “بيمشي الحال.. المهم السترة”.
ولاحظ المجذوب ان “بعض زبائنه يعمدون الى تقصير ثيابهم وتضييقها لانهم حصلوا عليها من اناس آخرين وليس فقط لانها قديمة عندهم، وان تقصير الجديد بات لا يتجاوز 10% من العمل، فيما 90% من القديمة”، مشيراً الى ان “هذا الواقع يدل على مدى الفقر لدى غالبية الناس”.
ويقول “أبو علي” الذي يعمل سائق أجرة “أصبحت أحد الزبائن الدائمين هنا، لقد تبدل الحال لان ما اكسبه يومياً يكاد لا يكفي لتوفير الطعام ومستلزمات الحياة اليومية، لم أعد قادراً على شراء ملابس جديدة لأولادي وكلما تمزقت القديمة اضطررت لإصلاحها مقابل مبلغ زهيد، بعدما كنت اشتري لهم على الاقل مرتين كل عام وتحديداً مع بدء فصلي الصيف والشتاء او في الاعياد والمناسبات”.