IMLebanon

عقوبة جريمة التحرُّش الجنسي بطالبات المدارس في القانون اللبناني

بات التحرش الجنسي بالأطفال والبنات والمراهقات من أكثر القضايا التي تشغل الرأي العام، لا بل حتى بعض المدارس لم تعد الموجه للأطفال أو المراهقات في كيفية الدفاع عن أنفسهم إذا تعرضوا لتحرش جنسي، في حين كان يجب أن يكون كل معلم كالأب والأم في البيت، وكان على إدارة بعض المدارس أن تحرص على وجود رقابة صارمة على كل ما يجري في حرمها.
أما وقد وقعت الواقعة، فبحسب القانون اللبناني، فإنه وفقاً للفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون رقم 205/2020 الذي يجرّم التحرش الجنسي، فإنها تصف التحرش الجنسي بأنه أي سلوك سيء متكرر خارج عن المألوف، غير مرغوب فيه من الضحية، ذي مدلول جنسي يشكّل انتهاكاً للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر. يحدث هذا الانتهاك في أي مكانٍ توجد فيه الضحية، ويشمل أقوالاً أو أفعالاً أو إشارات أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية، وبأي وسيلة تمّ التحرش، بما في ذلك الوسائل الإلكترونية.
أما وفقاً للفقرة الثانية من المادة الأولى من نفس القانون فيعتبر أيضاً تحرشاً جنسياً كل فعل أو مسعى، حتى لو كان غير متكرر، يستخدم أي نوع من الضغط النفسي أو المعنوي أو المادي أو العنصري بهدف فعلي للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها الفاعل أو غيره.
والملاحظ هنا، من نص الفقرة الأولى من المادة الأولى السابق ذكرها أن قانون تجريم الحرس الجنسي يشترط أن يكون فعل التحرش سلوكاً سيئاً، متكرراً، خارجاً عن المألوف، وذا مدلول جنسي، يشكل انتهاكاً للجسد أو للخصوصية أو للمشاعر، يقع على الضحية في أي مكان وُجدت، وبأي وسيلة. ويتوقف نص الفقرة الأولى عند وصف السلوك بأنه «سيّئ»، والمؤسف أنه لا يمكن حصر الفعل بلفظ «السيّئ» بإطار موضوعي، كون بعض التصرفات لا تثير أي إشكالية في وصفها. وهناك انقسام حول ما يحتمل أن يوصف بهذا اللفظ، لا سيّما في ضوء خصوصيات المجتمع اللبناني. كذلك، فإنه من المؤسف أن نص الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون المذكور آنفاً، لم يعدّد ماهية الأفعال لاعتبار السلوك متكرراً، ولم يحدّد المشترع المدة الفاصلة بين الفعلين أو الأفعال التي تشكل العادة، مما يُبقي عدم التحديد متروكاً لتقدير القاضي في كل حالة على حدة، للقول بما إذا كان السلوك المشكو منه «متكرراً» أم لا.
ولكن إذا ما تعمقنا في نص الفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون 205/2020 لوجدنا أن التحرش الجنسي يمكن أن يكون أيضاً فعلاً واحدًا أو مسعى غير متكرر، يستخدم أي نوع من الضغوط النفسية أو المعنوية أو المادية أو العنصرية، بهدف الحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية يستفيد منها المتحرّش أو شخص آخر، وهذا هو بالذات ما حصل مؤخراً بحق طالبات إحدى المدارس اللبنانية.
أما لجهة العقوبات التي قضى بها المشرّع اللبناني، فبحسب المادة 2 من القانون رقم 205/2020:
«أ – يعاقب كل من أقدم على ارتكاب جريمة التحرش الجنسي بالحبس من شهر حتى سنة وبغرامة تتراوح بين ثلاثة أضعاف وعشرة أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور أو بإحدى هاتين العقوبتين.
ب – يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين وبغرامة من عشرة أضعاف إلى عشرين ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور أو بإحدى هاتين العقوبتين:
1- إذا كانت جريمة التحرش حاصلة في إطار رابطة التبعية أو علاقة العمل.
2- إذا وقع التحرش في إحدى الإدارات الرسمية أو العسكرية أو المؤسسات العامة أو البلديات أو الجامعات أو المدارس أو الحضانات أو المعاهد أو الأندية أو وسائل النقل.
3- إذا كان المتحرش موظفاً وفقاً للتعريف المنصوص عليه في المادة 350 من قانون العقوبات، وتعسّف باستعمال السلطة التي يتمتّع بها بحكم المهام المكلَّف بها، أو بمعرض القيام بالوظيفة أو بسببها.
ج – يعاقب بالحبس من سنتين إلى أربع سنوات وبغرامة تتراوح من ثلاثين إلى خمسين ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور في الحالات التالية:
1- إذا وقع الجرم على حدث أو على شخص من ذوي الاحتياجات الإضافية أو على من كان لا يستطيع المدافعة عن نفسه بسبب وضعه الصحي الجسدي أو النفسي.
2- إذا كان الجاني ممن له سلطة مادية أو معنوية أو وظيفية أو تعليمية على المجني عليه.
3- إذا ارتكب فعل التحرش شخصان أو أكثر.
4- إذا استخدم الجاني الضغط الشديد النفسي أو المعنوي أو المادي في ارتكاب الجرم للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية.
وفي حال التكرار أو المعاودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حدّيهما الأدنى والأقصى في كل الحالات المذكورة أعلاه ويحاكم بعقوبتي الحبس والغرامة معاً في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين (ب) و (ج) من هذه المادة».
وبالنسبة لجرائم التحرش الجنسي التي حصلت لطالبات إحدى مدارس الليسه، فلا يطبق على تلك الأفعال ما ورد في الفقرة (أ) من المادة الثانية من قانون تجريم التحرش والقاضية «بالحبس من شهر حتى سنة وبغرامة تتراوح بين ثلاثة أضعاف وعشرة أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور أو بإحدى هاتين العقوبتين» وإنما تشدّد العقوبة وفقاً لأحكام الفقرة (ج) من تلك المادة لتصل إلى «الحبس من سنتين إلى أربع سنوات وبغرامة تتراوح من ثلاثين إلى خمسين ضعف الحد الأدنى للأجور، لأن جرم التحرش وقع على أحداث ولأن الجاني له سلطة مادية أو معنوية أو وظيفية أو تعليمية على المجني عليهن الساعي الحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية منهن».
كذلك فبحسب المادة 3 من القانون فإن الجريمة التي حصلت لطالبات مدرسة الليسه مؤخراً لا تحتاج لشكوى المتضرر لتتحرك دعوى الحق العام فيها، لأنها واقعة على أحداث ومن قبل من لديه سلطة معنوية عليهن، حيث تنص المادة 3 على ما يلي:
«تتوقف الـملاحقة على شكوى الـمتضرر باستثناء الحالات التالية:
1 – إذا كانت الضحية من ذوي الاحتياجات الإضافية أو ممن لا يستطيع الـمدافعة عن نفسه بسبب وضعه الصحي الجسدي أو النفسي.
2 – إذا وقع الجرم على حدث.
3 – إذا ارتكب الجرم شخصان أو أكثر.
4 – إذا استخدم الـمتحرش الضغط الشديد الـمادي أو النفسي أو الـمعنوي أو العنصري على الضحية للحصول على منفعة ذات طبيعة جنسية.
5 – إذا ارتُكِب الجرم من قبل من لديه سلطة مادية أو معنوية أو وظيفية.
في حال التكرار يعتبر التحرش الجنسي جرم شائن.
وفي جميع الأحوال، لا تستوجب الـملاحقة في جريمة التحرش الجنسي الاستحصال على أي إذن مسبق.
كذلك فعند الاستماع الى الضحية، يجب مراعاة حالتها النفسية واتخاذ جميع الاجراءات اللازمة من أجل ضمان حمايتها وحماية الشهود، وذلك في جميع مراحل التحقيق الأولي والابتدائي والـمحاكمة».
من جهة أخرى، فبحسب المادة 4 من نفس القانون يُحظَّر كل تمييز أو مساس بالحقوق الـمكرّسة قانوناً تتعرّض له الضحية التي رفضت الخضوع لأفعال التحرش، أكان بشكلٍ مباشر أم غير مباشر، لاسيما لجهة الأجر أو الترقية أو النقل أو تجديد عقد عملها أو فرض عقوبات تأديبية بحقها.
ويُحظَّر كذلك كل تمييز أو مساس بالحقوق الـمكرّسة قانوناً يتعرّض له من قام بالتبليغ عن التحرش في الحالات التي تُحرَّك فيها الدعوى العامة من دون شكوى الـمتضرر أو من قام بالإدلاء بشهادة في أي حال أو فرض عقوبات تأديبية بحقها.
ويعاقب كل من يخالف أحكام هذه الـمادة بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة تتراوح بين خمسة أضعاف وعشرين ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور أو بإحدى هاتين العقوبتين.
أما بحسب المادة الخامسة من القانون: «فلا تحول الـملاحقات الجزائية دون إنزال العقوبات التأديبية ومنها الصرف من الخدمة.
ولا تُعلق مباشرة الـملاحقة التأديبية على الـملاحقة الجزائية، ويبقى للـمجني عليه دائماً الحق في التعويض عن الألـم النفسي أو الـمعنوي أو الـمادي الذي لحق به».
وكذلك بحسب المادة السادسة من نفس القانون فيجب أن ينشأ صندوق خاص، لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، يتولّى مساعدة ضحايا التحرش الجنسي وضمان الرعاية لهم بما يكفل تأهيلهم واندماجهم في الـمجتمع، وتوفير السبل الآيلة الى الحدّ من هذه الجرائم والوقاية منها وتأهيل مرتكبيها. وبحيث يموَّل الصندوق من:
1 – مساهمات الدولة ويُرصَد لهذه الغاية اعتماد في الـموازنة العامة السنوية لوزارة الشؤون الاجتماعية.
2 – الهبات.
3 – عشرة بالـماية (10 %) من قيمة الغرامات، الـمنصوص عنها في الـمادة الثانية من هذا القانون، تضاف حكماً على الغرامة الـمحكوم بها يسددها الـمحكوم عليه لصالح الصندوق على أن تحدّد مهلة تسديدها من قبل القاضي الناظر بالدعوى، وتحصّل بحسب الـمادة 63 وما يليها من القانون 44/2008 على ان تحلّ إدارة الصندوق محل الادارة الضريبية لجهة متابعة تحصيلها. وبحيث يحدَّد نظام الصندوق بموجب قرار تنظيمي يصدر عن وزير الشؤون الاجتماعية.
ولكن للأسف رغم مرور سنوات عديدة على صدور القانون 205/2020، فلم يتم إنشاء هذا الصندوق فعلياً بعد، علماً أن آلية إنشائه ووضع نظامه المحدّدة أعلاه، سهلة ولا تستلزم إجراءات معقدة.
ولكن نظراً لأن هذا الصندوق يموّل من مساهمات الدولة، إذ يُرصد له اعتماد في الموازنة العامة السنوية لوزارة الشؤون الاجتماعية. فقد واجه صعوبات في تأمين الموارد اللازمة، نظراً للوضع الحالي للمالية العامة.
وختاماً، علينا دائماً أن نتسلح بالدعاء بأن يحفظ الله أبناء وبنات وطننا وأمتنا من كل سوء، لاسيما من أكبر الكبائر وأقبح الفواحش والتي هي التحرش الجنسي بالأطفال، ولذلك يجب تشديد العقوبة عليها في برلماننا المصون لتصل العقوبة إلى الأشغال الشاقة لذوي النفوس المريضة والأهواء الدنيئة، لمدة عشر سنوات على الأقل، لردعهم عن جرائمهم، التي صدر بشأنها الوعيد الشديد في الشرع الحنيف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن الله ليُبغض الفاحش البذيء»، وقوله أيضاً:«إن الله يُبغض الفاحش المتفحش». ومن هنا فإن على نوابنا أن يتصدّوا لهذه الجرائم النكراء بكل حزم وحسم، وأن يأخذوا بقوة كل من تسوّل له نفسه تلويث سمعة طفل والإضرار بمستقبله بهذا الفعل الجرمي المشين.