الموقف الذي اطلقه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي حيال «سلة» رئيس مجلس النواب نبيه كان مزلزلاً واثار مواجع «ابو مصطفى» ما اضطره الى الرد عليه مشيراً الى ان سلته دستورية بخلاف سلة الاشخاص التي اخفاها الراعي، ما استدعى بكركي الى التعقيب وبتحد ان يكون سيد الصرح اخفى سلة من الاسماء المقترحة لرئاسة الجمهورية كون الصرح لا يلدغ من جحر مرتين لا سيما وان له تجربة اليمة في هذا المجال يوم استدرج سلفه البطريرك مار نصر الله بطرس صفير الى مطب تسمية مرشحين للرئاسة ايام حقبة الوصاية السورية لم يأخذ بها ما احرج بكركي لا سيما وان عبد الحليم خدام كان يستقتل آنذاك في محاولته تحجيم الصرح الماروني واخراجه من المعادلة الوطنية، الا ان اللعنة اللبنانية ارتدت على خدام الذي انقلب على اولياء نعمته فهرب تسللاً الى المنفى الباريسي في وقت بقيت بكركي طرداً لا يتزعزع وفق الاوساط المواكبة للمجريات.
لم تمر مناسبة منذ عامين و4 اشهر على الشغور الرئاسي دون ان يثير الراعي مسألة الفراغ في القصر الجمهوري والمطالبة بانجاز الاستحقاق الرئاسي، وانتخاب رئيس للجمهورية ايا كان الشخص وبعيداً عن التسميات او الاقتراحات، اما بالنسبة للاقطاب الاربعة اي العماد ميشال عون ورئيس «حزب القوات اللبنانية» سمير جعجع والرئيس امين الجميل والنائب سليمان فرنجية، فان توافقهم تحت سقف بكركي على ان كلا منهم بمثابة «الرئيس القوي» المطلوب انتخابه، فليست المسألة خطأ او خطيئة ارتكبها الراعي، بل انه واقع على الرقعة المسيحية واذا كان للموارنة المستقلين حيثياتهم. فان الواقع لا يفسد في الود قضية اضافة الى ان الراعي لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بتوافقهم واعتبار انفسهم «الاقوياء» في المرمح الرئاسي وفق الاوساط نفسها، فصفة «الرئيس القوي» لم تتبنها بكركي فهم الراعي الاول والاخير انتخاب اي مرشح ماروني رئيساً للجمهورية، خصوصاً وان علاقة رأس الدولة برأس الكنيسة معروفة عبر كافة العهود حيث يتكامل الرجلان في المحطات المفصلية المتعلقة بوجود ودور المسيحيين.
وتضيف الاوساط ان صفير نطق بفم الراعي الذي يقارب الامور بديبلوماسية عالية وموقفه الرافض للسلة لم يأت انفعالياً لو لم يطفح الكيل، لا سيما وان التوافق على سلة بري يعري رئيس الدولة الذي جرم «اتفاق الطائف» صلاحياته محولا اياه الى شخص بروتوكولي وليس الى حاكم للبلد وحكم بين الافرقاء لا سيما وان البلد الصغير آخر معقل للمسيحيين في الشرق بعدما اقتلعتهم حروب التكفيريين من العراق والمناطق السورية التي يسيطر عليها «داعش» و«النصرة» فيما تولى الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين بتهجيرهم الى حد ان قلق الراعي يتعاظم حيال الوجود المسيحي في لبنان من خلال هجرة الشباب المسيحي بكثافة من جهة واعادة «تقسيم المقتسم» في المنطقة من جهة اخرى.
وتشير الاوساط الى ان «لبنان الكبير» دولة انتزعها الصرح البطريركي من الانتداب الفرنسي بشخص البطريرك الياس الحويك حيث كان 80% من سكانه من المسيحيين وشعار «مجد لبنان اعطي له» لم تأت من فراغ بل هو واقع تاريخي، اما المرارة التي يعانيها الراعي فتكمن في انحسار الوجود المسيحي بشكل مخيف، اضافة الى ان الفراغ في رئاسة الجمهورية لا يطمئنه لا سيما وان الاهتمام الدولي ينحصر في الاوضاع السورية وان ارتباط انجاز الاستحقاق الرئاسي بالميدان السوري سيطيل عمر الفراغ بحيث قد «تطير الجمهورية» انتخاب الرئيس. وان مبادرة الرئيس سعد الحريري لانجاز الاستحقاق قد تكون اخر فرصة يتيمة تسمح بانتاج رئيس صنع في لبنان قد يطيحها موقف بري المتمسك بالسلة الكاملة ما احرج الراعي فاخرجه.