مرّةً أخرى يحرّك شادي المولوي من مخبئه في «عين الحلوة» خلايا نائمة في أقلّ مِن أربعة أشهر، بهدف هزّ الاستقرار العام وتوجيه ضربات إرهابية للجيش اللبناني ومراكز حيويّة سياحيّة وعامّة في لبنان.
قبل خلية الـ 11 التي أحالتها مخابرات الجيش أمس إلى القضاء بعد إنهاء التحقيقات مع عناصرها، كانت دورية من هذه المخابرات قد قبَضت في 27 كانون الأوّل الماضي، على خلية مماثلة يقودها المولوي وتضمّ 13 إرهابياً.
خلية الـ 13 هذه تألّفَت من لبنانيين وسوريين، وكانت الأهداف التي حدّدها لها المولوي تنفيذ عمليات إرهابية خلال فترة الأعياد لإيذاء أكبر عدد ممكن من اللبنانيين وتحويلِ الأعياد حالةَ حزنٍ عام في البلد.
أمّا خلية الـ 11 التي رحَّلتها أمس مخابرات الجيش إلى القضاء فكانت قد أوقِفت قبل فترة، وأظهرَت التحقيقات مع أفرادها أنّ المولوي شدّد على عناصرها ضرورة تنفيذ عمليات إلقاء قنابل، خصوصاً على حواجز الجيش، إضافةً إلى تنفيذ عمليات انتحارية بالأحزمة الناسفة.
المشترك بين هاتين الخليتين هو المولوي الذي أصبحَت نتائج التحقيقات مع موقوفين كثُر بتُهم الإرهاب، تسلّط الضوءَ عليه بصفته الرجلَ الأول لـ«جبهة النصرة» في لبنان، والرَجل الأخطر من بين كلّ رموز الإرهاب العاملة في لبنان والتي تتابعها الأجهزة الأمنية اللبنانية.
وتفيد مصادر أمنية أنّ خلية الـ 11 كانت تتلقّى تعليماتها من المولوي الموجود في مخيّم عين الحلوة، وأنّ الشخص الذي لعب دورَ الوسيط ونقلَ التعليمات من المولوي لعناصر المجموعة هو اللبناني علي محشي. وجميع عناصر هذه الخلية هم لبنانيون من منطقة الشمال، وما يَجمع بين غالبيتهم أنّ لديهم سوابقَ جنائية أو عدلية وبدرجات مختلفة من الخطورة.
والواقع أنّ تَتابُعَ انكشاف مسؤولية المولوي عن تشكيل خلايا إرهابية لضربِ أهدافٍ لبنانية عامّة، وأيضاً لاستهداف حواجز الجيش، يؤكّد معطيات عدة أساسية تطرَح بإزائها أسئلة عدّة صار مطلوباً بإلحاح الإجابة عنها:
أوّل هذه الأسئلة يتّصل بملف تسليم المطلوبين الإرهابيين داخل مخيّم عين الحلوة للدولة اللبنانية، خصوصاً بعدما ثبتَ خلال أقلّ من أربعة أشهر، أنّ المولوي يستمرّ في العمل من داخل مخبئه في المخيّم لتنظيم خلايا إرهابية على الساحة اللبنانية وتوجيهها عبر وسطاء له ما زالوا طُلقاء، لضرب الاستقرار في لبنان وتنفيذ عمليات إرهابية.
وفي صميم هذا الملفّ ثمّة سؤال يطرح نفسَه، وهو عن السبب الذي يَجعل الفصائلَ الفلسطينية، أو بعضَها، تتمنّع أو تتلكّأ، عن تسليم مطلوب لبناني كالمولوي يستمرّ في استغلال حماية المخيّم له، لضرب الاستقرار في لبنان.
فهل يخدم تركُ المولوي طليقاً داخل المخيّم أيَّ هدف فلسطيني، عدا عن أنّ وجوده فيه بات يشكّل وصمةً إرهابية للمخيّم تضرّ بهويته الفلسطينية التي هي مصدر شرعيته وهدف نضاله الأساس؟
وثاني هذه الأسئلة، تنطلق حيثيتُه من حقيقة تلازُمِ الكشفِ عن خلية الإرهابيين الـ11 التابعة للمولوي مع إعلان بدءِ عملِ «القوّة المشتركة الفلسطينية» داخل المخيّم ابتداءً من بَعد ظهر اليوم.
ويسلّط هذا الأمر الضوءَ على أنّ «القوّة المشتركة» ستواجه منذ اللحظات الأولى لبدء عملها، امتحانَ قدرتها، ليس فقط على ضبطِ حركة المجموعات التكفيرية، بل أيضاً امتحانَ قدرتها على تنفيذ مهمّة القبض على المطلوبين للدولة اللبنانية، الذين تحدّدهم معلومات مستقاة من مصادر مطّلعة بـ 42 إرهابياً، على رأسِهم المولوي.
وتَجدر الإشارة في هذا المجال، وفقاً لمعلومات خاصة بـ«الجمهورية»، إلى أنّ المجموعات التكفيرية بادرَت إلى تحدّي القوّة الأمنية قبل أن تبدأ عملها، وذلك من خلال توجيه تحذيرات للفصائل المشاركة فيها، بأنّها ستبادر إلى إطلاق النار على أيّ دورية تابعة لـ«القوة المشتركة» تحاول المرورَ داخل المناطق التي تسيطر عليها هذه المجموعات.
وأدّى هذا التهديد إلى تأخير بدءِ سرَيان انتشار «القوّة المشتركة» من أمس الأول إلى مساء اليوم، وذلك بعد تداخُلات مختلفة لحضِّ هذه المجموعات على سحبِ تهديدها.
ويقول السياق نفسُه لهذه المعلومات إنّ «عصبة الأنصار» نفَّذت الأربعاء الماضي وعلى اثر إطلاق المجموعات التكفيرية تهديدَها السالف، يوماً أمنياً في أحياء عدة من مخيّم عين الحلوة، خصوصاً في حيَّي «الصفصاف» و«الطوارئ» حيث يوجد ثقلُ المجموعات التكفيرية، وذلك في رسالة إليها مفادُها أنّ «العصبة» ستضربها في حال نفّذت تهديدَها ضدّ «القوة المشتركة».
ولكن معلومات إضافية أشارت إلى أنّ رسالة «العصبة» التهديدية للمجموعات التكفيرية واكبَتها مفاوضات مع الأخيرة أسفرَت عن تسوية تنصّ على استجابة «العصبة» والفصائل الفلسطينية لمطلب المجموعات الإرهابية في شأن إزالة كاميرات المراقبة المنصوبة في مناطق توجد فيها هذه المجموعات، في مقابل قبول الأخيرة بتسيير «القوة المشتركة» دورياتٍ في هذه المناطق.
وتعني هذه التسوية أنّ منطقَ الأمن بالتراضي بين الفصائل الفلسطينية والمجموعات التكفيرية مستمرّ داخل المخيّم، ما يَرسم علامة استفهام حول جدّية الفصائل في إيجاد حلّ جذري لملفّ الإرهاب والإرهابيين المطلوبين داخل المخيّم، وكذلك جدّيتها للسير في تنفيذ وعودها للدولة اللبنانية بالعمل على تجنيب المخيّم ويلات بقاء الإرهاب مستوطناً فيه.