عند إدارة محرِّك البحث غوغل أو غيره من محرِّكات البحث التي تتمتَّع بصدقية مقبولة، وعند اللجوء إلى الأرشيف التقليدي الذي يمكن الركون إليه، بحثاً عن إسم شخصية معينة، فإنَّ تخزين المعلومات يطال شخصيات سياسية ودينية واقتصادية ومصرفية وأدبية ونقابية وغيرها، وهذا أمرٌ طبيعي وعادي ومتعارفٌ عليه لأنَّ علم الأرشفة يرتكز على إختصاص الشخص لتسهيل البحث عنه حين الحاجة إلى إستخراج المعلومات.
***
هذا في المبدأ وفي المنطق، ولكن ما هو غير منطقي وغير مبدئي هو عند التفتيش عن شخص معيَّن في باب اختصاصه، فإن المستغرب أن تجده في باب آخر، وهذا الأمر يعني تفسيراً من إثنين:
إما أنَّ الشخص موضوع البحث لا يشتغل في اختصاصه أو هو متعدٍّ على الكار كما يُقال في اللغة المحكية، وإما أنَّ ما يقوم به هو من باب العلاقات العامة، لغايةٍ ما، وليس من باب إختصاصه.
***
توصلنا إلى هذه الخلاصة حين وضعنا أحد الأسماء المصرفية الحالية على محرِّك البحث غوغل، علَّنا نستخرجُ خطةً أو خطوة أو مبادرة قام بها أو عملاً مصرفياً جبّاراً أقدم عليه، فماذا وجدنا؟
– إضاءة شجرة العيد في مدينة جبيل وفي أسفلها إسم مصرفه. وفي أماكن أخرى ايضاً وأيضاً إضاءة شجرة الميلاد وإسم مصرفه في الأسفل.
– الترشُّح لجمعية مصارف لبنان الدائم والنظرة المعاكسة المريبة التي تطرح علامات إستفهام.
– تسلُّم درع تكريمية في أوستراليا من قِبل أفراد من الجالية اللبنانية، على هامش زيارة ليست له بالتأكيد بل أثناء مرافقته للمرجعية الروحية الكبيرة المترفعة.
إذا عُرِضَت هذه الإنجازات على أحد المصارف، فما هي الوظيفة التي يُعطيها لهذا الشخص غير أن يكون مسؤولاً عن العلاقات العامة؟
هذا الإستنتاج يطرح التساؤل التالي:
إذا كان هذا الشخص غير مؤهَّل لتبوّء منصبه فكيف وصل إليه؟
التسلُّق موهبة خصوصاً في لبنان، وفي غياب الحق في الوصول إلى المعلومات، ما يستدعي التفتيش المضني لإيجاد معلومة من هنا أو معلومة أخرى من هناك، خصوصاً أنَّ السيَر الذاتية أو المهنية لا تتضمَّن سوى المراحل والزوايا المضيئة، إذا وُجِدَت، وأحياناً يتمُّ اختلاقها فقط من أجل كتابة السيرة.
لكن السِيَر شيء والمعلومات شيء آخر، لنترك السِيَر جانباً ولنذهب إلى المعلومات، فماذا نجد؟
حين كان المصرفي الحالي يعمل في مصرف سابق عريق لأحد أبرز رجالات لبنان العصاميين، لكنه أفاد من منصبه على حساب المصرف إلى درجة أنَّه تعثّر في إدارة المصرف المذكور واضطر إلى الإستقالة مكرهاً أخاك لا بطل.
***
هنا تعود بنا الذاكرة منذ عشر سنوات حين تودَّد مصرفيٌّ سابق إلى مرجع ديني آنذاك طمعاً بالإفادة من ودائع تابعة لمؤسسات هذا المرجع، ومن المفيد التذكير بأنَّ المصرفيَّ السابق انتهت إمبراطوريته بأن أحيل مصرفه إلى التحقيق وانتقل إلى مالكين آخرين بعد سوء الإدارة والأمانة من مالكيه الأصليين، ولولا العناية والحكمة السابقة والحالية والمستقبلية لحاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة، لكانت ودائع الناس وودائع مؤسسات المرجع غير السياسي قد ذهبت أدراج سوء الأمانة.
أفليس من المنطق التخوُّف أن يُعيد التاريخ نفسه؟
صحيح أنَّ حاكم مصرف لبنان موجود لكن مهمته لا تقتصر على تلقف عثرات أصحاب الطموحات الكبيرة الذين يعتقدون أنفسهم أكثر بكثير ممّا هم.
***
وكما المصرفيُّ السابق الذي تعثَّرت عائلته في إدارة المصرف منذ أكثر من عشر سنوات، وهو تبوّأ مسؤولية في إحدى مؤسسات المرجع، كذلك المصرفيُّ الحالي تتيح له ظروف الظلّ الإطلاع عن كثب على ما يقدمه لأبناء الطائفة الكريمة من مساعدات للمؤسسات الخيرية والتعليمية والإستشفائية، فيحاول نسج علاقاتٍ معهم من أجل نقل ودائعهم من مصارف أخرى إلى مصرفه.
***
وما لا تذكره السيرة الرسمية على الغوغل أنَّه بدأ بتسريب شمالاً ويميناً معلومات أنَّ إسمه مطروح لرئاسة الجمهورية وإنه الماروني الكفوء لإدارة البلاد والعباد، في محاولة منه لقطف ثمار ظلِّه قرب المرجع الكبير المترفع، مستفيداً من الظروف ومن الرحلات ومن لقاءات في الداخل وفي الخارج وفي أقاصي الدنيا.
***
لكن ما لا يعرفه هذا المصرفي الحديث، وما لا تذكره سيرته الرسمية، أنَّ الظلَّ يبقى ظلاً، وأنَّ مرافقة المرجع الكبير المتعالي عن أمور الدنيا الذي لا يدرك أن ظلَّه ليس همّه سوى مصلحته الشخصية الخاصة الضيقة النظر والرؤية.
نردد على العلن إن كل محاولاته لا تجعل منه إلا ظلاً، وإذا لم يصدق ليسأل غوغل فعنده الخبر اليقين.