Site icon IMLebanon

حكومة الظلّ وظلّ الحكومة

 

تزداد القناعة مع تقادم الأيام أنّ المكوّنات السياسية اللبنانية، التي انتفض عليها الشعب اللبناني في السابع عشر من تشرين الأول المنصرم، مجتمعة أو منقسمة، أضحت عاجزة عن تشكيل السلطة. المأزق ليس في فريق دون الآخر بل في ذهنيّة سقطت وأسقطت مصداقية رموزها ولا مجال لإحيائها. السلطة التي أنتجت في أعقاب الثورة قدّمت نفسها كظاهرة قوة وليس كظاهرة مجتمعية، وعجزت عن اكتساب الطاعة لأن قناعة المجتمع بها هي ما يولد الطاعة. تقتضي الواقعية القول أنّ القناعة ليست متوفرة.

 

يدرك الجميع أنّ حكومة الرئيس حسان دياب هي حكومة ظلّ، ولكن بعض من في الحكومة يؤخذون بظلّهم الشخصي أو بظلّ الحكومة، هم يقدِمون متناسين أنّ مصدر الضوء هو القوة التي أتت بهم ، ثم يضطرون للعودة عن قراراتهم والإمتثال لأصحاب السلطة الحقيقيين. تعلم الحكومة المواضيع التي تمنع مناقشتها كمحطات التغويز ومعمل كهرباء سلعاتا المتخيل وهبوط الطائرات القادمة من طهران أو عبرها حتى مع إقفال المطار، والتهرّب الضريبي وسواها فتمرّ عليها مرور الكرام على طريقة «سمعان بالضيعة». أما في المواضيع التي يخيّل للحكومة أنها قابلة للنقاش لغياب التعليمات المسبقة، فيسترسل من  لا يقّدر ظلّه من التكنوقراط في الأخذ والرد وإبداء الرأي،  في ما يصح أو ما لا يصح وفي ما هو مصلحة وطنية، ليكتشف أنّ عليه التراجع الى حيث يملى عليه. وليس أدلّ على ذلك مما جرى مع وزير الخارجية والمغتربين ناصيف حتي الذي غالى في تصوير نفسه في موقع القادر على وضع شروط لعودة المغتربين الراغبين الى لبنان. أصّر الوزير على معايير إعتبرها ملزمة، أو ربما أوحى له بها من يمثّل في الحكومة، ليتغيّر كل شيء بعد ساعات عندما لوّح الرئيس نبيه بري بتعليق مشاركته في الحكومة، وبعد أن أثنى على ذلك الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، لإخراج الموضوع من خانة السجال المعهود بين الرئيس بري والتيار الوطني الحر، ولإدخال المسألة في موقع الإلزام الذي لا يقبل المناقشة. سقطت بعدها كل حجج الوزير التكنوقراط ورئيس الحكومة وبدأت عملية تزيين العودة وابتلاع المواقف السابقة.

 

الموقف عينه تكرر عند سحب مشروع الكابيتال كونترول الذي تقدّمت به الحكومة من التداول بالقوة القاهرة بمجرد أن أوحى الرئيس بري بعدم قبوله المشروع وليقدّم بعد ذلك الأمين العام لحزب الله رؤيته حول السياسة المصرفية، هذا المشروع الذي اعتبرته الحكومة أحد الأسّس التي ستبني عليها سياستها الاقتصادية التي ستنقذ لبنان.

 

أكثر من مظهر التباس بين حكومة الظلّ وظلّ بعض الوزراء يتجلّى في انعدام الوزن في موقع رئاسة الحكومة كمركز للقرار الجامع، ويعبّر عن ارتباط الوزراء بأجندات سياسية، بحيث أصبحت مهمة موقع رئاسة الحكومة ضبط الحضور ليس أكثر . وإلا فكيف يمكن تفسير تصريح وزير الشؤون الإجتماعية رمزي مشرفية بعد زيارته لسوريا بأنّه أخذ الموافقة على خطة أعدّها في موضوع النازحين ولكن المنظّمات الدولية لم توافقه على ذلك؟ أكثر من سؤال يطرحه هذا التصريح بغياب أي موقف معلن لرئيس الحكومة ولرئيس الجمهورية من المشروع المذكور. إزالة خيم المعتصمين من ساحة الشهداء يمثّل مظهراً آخر من مظاهر الإلتباس في الظلّ والتفرّد بالقرار وغياب الحضور المركزي للحكومة. موقف لا يمكن شرحه وتبريره إلا استكمالاً للسلوك الذي اعتمدته الحكومة في التخلي عن حماية المتظاهرين العزّل وعدم توقيف مثيري الشغب المندسين بينهم، وهو لا ينفصل عن الموقف الذي اتّخذته من الثورة القوى التي تقف وراء تشكيل الحكومة والتي هاجم جمهورها خيم المحتجين أكثر من مرة بطريقة عنفية أمام أعين القوى الأمنية.

 

وأمام عجز الحكومة كمركز للقرار الموحّد في مواجهة أزمة فيروس كورونا في ظلّ إعلان التعبئة العامة، بحيث ينتظر أن تقدّم الحكومة تقييماً يومياً للجاهزية الطبية واستراتيجيتها الاستشفائية التي تتضمن عدد الأسرّة والمستشفيات الجاهزة ومراكز العزل وإجراء الفحوصات الخاصة وكلفتها، لا تبرز أي قدرة حكومية على بناء سياسة ناجعة لمكافحة الوفاء. ودون إغفال الميل الاستثماري لدى بعض الجهات السياسية في حياة المواطنين وصحتهم من خلال إعطاء الأولوية للقطاع الخاص على المستشفيات الحكومية، تتخذ مكافحة الوباء وطريقة تجهيز المستشفيات طابعاً مناطقياً سيفضي الى تقديم نموذج عن لا مركزية موسّعة تتجاوز المجال الطبي، مع التراجع المرتقب للوضع الاقتصادي.

 

ربما أخطأنا عندما اعتقدنا أنّ وجود بعض الأكاديميين وأصحاب التجربة المهنية في القطاع الخاص سيضفي نوعاً من التغيير على منهجية التفكير الحكومي وعلى الموضوعية في مقاربة الأمور. ولكن الحقيقة المحبطة أنّ العمل الحكومي يعبّر عن التباس بين حكومة ظلّ وظلّ إفتراضي لبعض الوزراء الذين يحاولون عبثاً التمايز، بحيث عجز هؤلاء عن إسقاط مقوّماتهم المهنية على آليات اتّخاذ القرار وسقطوا أمام وهج القوة القاهرة وجاذبية الموقع الحكومي أو ربما لافتقادهم ما اعتقدنا خطأ أنهم يملكونه.