IMLebanon

حكومة الظلّ: «نزل التيار عالأرض»!

رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية يعني أمراً واحداً: التيار الوطني الحر أصبح في قلب السلطة، والاستمرار في الدوران حول الفساد من دون خرقه يهدد العهد الرئاسي. لذلك كان لا بد من «حكومة ظل» تسير في موازاة الرئيس، ليعملا معاً على تحقيق أهدافه

تكتل التغيير والإصلاح بصيغته القديمة انتهى؛ لا التكتل هو تكتل بعد خروج تيار المردة منه، ولا يعبّر بعد اليوم عن موقف سياسي لرئيسه السابق رئيس الجمهورية ميشال عون بعد أن انتقل الى قصر بعبدا.

إبقاؤه كما هو عليه يعني السير به نحو موت سياسي بطيء والذهاب بأعضائه نحو التقاعد المبكر. فالتكتل الذي كان ينتظره السياسيون واللبنانيون لجس نبض مسألة سياسية ملحة، لم يعد قادراً على لعب الدور ذاته، كما لم يعد بمقدوره الاكتفاء بالدوران حول الفساد الاداري والسياسي والوزاري من دون محاولة القفز فوق الكلمات للبدء بعملية الاصلاح. عون رئيساً يعني أمراً وحيداً: التيار الوطني الحر بات في قلب السلطة ومسؤوليته الرئيسية اليوم هي تطبيق شعاراته وفق خطة عمل جدية لإنجاح العهد الرئاسي، ليس في السنوات الست المقبلة، بل مباشرة في الفترة التي تعقب تشكيل الحكومة. ففي العادة، فترة السماح الرئاسية تحدد بمئة يوم قبل أن يبدأ المواطنون بمحاسبة رئيسهم على أول إنجازات العهد، فكيف إذا كان رئيس الجمهورية الذي انتظره تياره وجمهوره نحو 27 سنة؟

ما سبق استدعى نقاشاً مفصلاً حول انطلاقة قوية للتكتل بالتوازي مع انطلاقة بعبدا. وأول الغيث تغيير في آلية العمل وهيكلة التكتل ومهماته لتشكيل ما يشبه حكومة ظل عونية في الوزارات التي يتولاها وزراء التيار والدائرون في فلكهم. المشروع هو عبارة عن مشروع عمل ينبغي أن يكون متكاملاً بين مثلث التكتل ــــ الرئيس ــــ التيار لتحقيق الأهداف التي طرحها عون أولاً، ثم الخروج الى الاطار الاوسع للتواصل مع الحلفاء وغيرهم من أجل إنجاز المشاريع الكبيرة. وستضم حكومة الظل وزراء ونواباً ومستشارين، وفي بعض الاحيان نواباً ووزراء سابقين، يقسمون جميعاً ضمن لجان.

ويقول أحد المشاركين في المشروع إن عدد اللجان سيكون مطابقاً لعدد اللجان النيابية والادارات الاساسية الموجودة في الدولة، على أن تتولى إدارة المشروع بشكل رئيسي أمانة سر التكتل. وستتوحد أهداف اللجان جماعياً، بعيداً عن الخدمات الفردية التي «اعتاش منها» نواب ووزراء في الفترة السابقة، إذ لا يمكن بعدها أن يكون تعاطي نواب التيار مع وزير الداخلية على سبيل المثال بحكم علاقة شخصية أو يكون طلب تزفيت هذا الطريق أو ذاك من وزارة الاشغال شخصياً: «كل المشاريع والخدمات ستكون محصورة باللجان التي تتابع عملها مع الوزارات والمؤسسات الرسمية». واللجان ستحمل وزر كل الملفات الكبيرة، من ملفات اجتماعية، كضمان الشيخوخة والصحة، الى الملفات التربوية والقضائية والمالية. أما المهمات فستتوزع وفق دراسة شاملة حول اختصاص كل فريق ومدى نجاحه في المهمات التي شغلها سابقاً، ويحدد على أساسها المسؤول عن كل لجنة، الذي يفترض أن يقدم تقريراً دورياً بعمله الى أمانة سر التكتل والتكتل بشكل عام. ستعمل تلك اللجان في ظل الوزير، وتساعده في ملفات وزارته القديمة والجديدة، وتشكل فريق عمله الرئيسي الذي يدرس كل المعطيات بروية ويطرح المشاريع والأفكار، ويساعد الوزير في تكوين نظرة صحيحة ودقيقة عن قدرات وزارته حتى يتمكن من الاستفادة منها وتحقيق ما عجز الآخرون عن تحقيقه. في موازاة ذلك، سيعمل فريق الوزير على تولّي أمر التعامل مع الموظفين والتدقيق في عملهم، سعياً إلى محاولة إرساء عملية إصلاح أسفل الهرم. «نجاح حكومة الظل ممكن جداً، خصوصاً أنها مدعومة من رئيس الجمهورية، ووجود بعض أعضائها في الحكومة يسهل عملها ويضعها في قلب الحدث لا على هامشه». ولكن، «لا يمكن البدء بمشروع مماثل بين ليلة وضحاها. الأمر يحتاج الى ورشة تنظيمية كبيرة، لأنه سينقل التكتل من حالة الى أخرى مختلفة تماماً، وسيحوله من تكتل نيابي ووزاري يجتمع كل أسبوع لإذاعة بيانه، الى خلية نحل لا تهدأ، تكون هي فريق الرئيس».

هنا يبرز تحدّ آخر حول قدرة هذه اللجان على العمل، في ظل حلف التيار مع تيار المستقبل واضطراره الى مراعاة هذا التحالف داخل الادارات الرسمية والمؤسسات الدستورية والوزارات. وتحدّ آخر حول قدرتها على الوقوف في وجه المديرين العامين الذين عطّلوا سابقاً عمل أكثر من وزير، وكبّلوهم، بمن فيهم وزراء التيار الوطني الحر. يأتي الرد سريعاً: «ما في خيمة فوق راس حدا. عند اجتماع كتلتي التيار والمستقبل لإجراء الاستشارات النيابية، تم التطرق الى مسألة التعاون على صعيد الاصلاح، فعلّق رئيس الحكومة سعد الحريري على الموضوع قائلاً: طردنا الشيطان من بيناتنا». وفهم العونيون من هذه العبارة إشارة إلى الرئيس فؤاد السنيورة.

تجربة حكومة الظل، إذا ما حصلت، ستكون مشابهة للحكومات الغربية التي تنشأ مع تشكيل كل وزارة، وتكون صاحبة الفضل الأكبر في تحقيق الانجازات وإيجاد حلول براغماتية لهموم الناس. واليوم، يفترض بالتكتل أن يأخذ على عاتقه مهمة إنجاح العهد، خصوصاً أن عجز الرئيس عن ابتكار المشاريع وتنفيذها يعني فشلاً تلقائياً للتيار الوطني الحر، وإحباطاً لجمهوره العوني أولاً، وغير العوني الذي علّق آمالاً على عهد عون باعتباره الرجل الأنسب لقيادة الجمهورية ثانياً. وبالتالي، ينتظر المواطنون اليوم من فريق رئيس غير عادي فاز بكتلة نيابية ووزارية كبيرة، ولاية استثنائية تحمل اسمه، لا اكتفاء العونيين بتكرار خطاب القسم كل فترة، وتحويله إلى نسخة منقّحة عن «إعلان بعبدا» لصاحبه ميشال سليمان.