حملوا قميص قانون الإنتخابات المُضرّج بالعاهات معياراً لتأليف الحكومة كمثل الذين حملوا قميص عثمان المضرّج بالدم معياراً للخلافة.
وهذا القانون الذي تتـغنَّى به قصائد الفخر والإبتهاج، هو الذي أعاد لبنان الى سنة 1861، حيث كان انتخاب أول مجلس إدارة بوصاية الطوائف الست، وقد ربطت المادة الحادية عشرة من النظام الأساسي لمتصرفية جبل لبنان ولاء المجلس الإداري بطائفة أعضائه.
وكان بنتيجة الولاء للطائفة أنْ أدَّتْ التجاذبات المذهبية الى تبديد الروح الوطنية الجامعة، ما سمح للمتصرف يوسف فرنكو باشا بأن يحمل اللبنانيين على الإنضمام الى سوريا، وإغرائهم بالإستحصال على تذاكر هوية عثمانية، مثلما أدَّى تدخُّل المتصرف «واصا باشا» في انتخابات مجلس الإدارة الى اختلال أحكامه بالفساد وتورّط أعضائه بالرشوة.
واليوم، وبعد حوالي مئة وستين سنة لا نزال نصرّ بغباء على عدم الشفاء من هذا الإرث المرضي، وعلى جعل الأبناء يضرسون بوصايا واصا وفرنكو باشا.
هذا القانون المتأجِّج بالمذهبية والذي بدأت ظواهره الفاحشة تنعكس احتكاراً مذهبياً حصرياً للمؤسسات وتراشقاً مذهبياً بالموظفين، وتجييشاً مذهبياً للنفوس في مناطق الجبل، هل يصحّ أن يكون معياراً لبناء هيكلية الدولة، فضلاً عن سلامة التشريع وإنتاجية القوانين…؟
إذاً… إسمعوا الأمين العام للمجلس النيابي الأستاذ عدنان ضاهر وهو «يُعرب عن أسفه لأن معظم نواب هذا القانون هم من رجال الأعمال والمقاولين والضباط المتقاعدين، فيما عدد المجازين في الحقوق لا يتعدى أصابع اليد، الأمر الذي ينعكس سلباً على أداء المجلس التشريعي فتهيمن القرارات السياسية على القرارات التشريعية…».
مئـةٌ وثمانية وعشرون نائباً لا يتجاوز عدد المشرَّعين منهم أصابع اليد، في بلدٍ يُدعى عاصمة الثقافة العربية وكانت فيه أول جامعة للحقوق، هكذا يتحوَّل مجلسه النيابي الى شركة لتعهدات المقاولين ورجال الأعمال…!
وهذا القانون العجائبي شرذم العائلات فانقسمت كل عائلة على نفسها، لتفضّل بالصوت التفضيلي الإبنَ على أبيه كما حصل في عكار.
وهذا القانون الذي يُفترض أن يحقق العدالة وصحة التمثيل يفوز فيه مرشح بسبعة وسبعين صوتاً ويرسب فيه مرشح ينال خمسة آلاف صوت وما يزيد.
وهذا القانون اخترعوا به معياراً لتأليف الحكومة على أساس احتساب وزير لكل خمسة نواب، فتصبح الآلة الحاسبة هي البديل من المادة الرابعة والستين من الدستور التي تحتِّـم أن «يجري رئيس مجلس الوزراء الإستشارات النيابية لتشكيل الحكومة…».
بأي منطق عقلي ودستوري تكون القاعدة التي يتم على أساسها تشكيل المجلس النيابي هي نفسها التي تشكل الحكومة، فتصبح الحكومة نيابيةً أيضاً أو برلماناً مصغّراً، بما يتعارض مع النظام الديمقراطي في فصل السلطات.
يقول مونتسكيو الأب الروحي للتشريع: «تنعدم الحرية والديمقراطية، إذا اجتمعت السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية في هيئة حاكمة واحدة…».
رحمة بالوطن وبالقوانين وبما تبقّى من العقول، اخترعوا المعايير التي تريدون وكفّوا عن اعتماد هذا القانون، وإلاّ فعند الإصرار على الإستمرار به، لا تستغربوا أن يتسنى لفرنكو باشا آخر أن يحمل اللبنانيين على الإنضمام الى سوريا والإستحصال على هوية بني عثمان.