لم يتوقع أحدٌ أن تأتي نتائجُ كسروان – جبيل مطابِقة أو حتى قريبة لنتائج إستحقاقي 2005 و2009. لكن ما حصل فعلياً هو «تسونامي» معكوس أفرز لائحة «بازل» من الفائزين لم تعنِ إلّا أمراً واحداً: ولّى زمن «الحكم العوني» لعاصمة الموارنة. هنا لم تنتهِ «الانتخابات» بعد. نتائجُ صناديق الاقتراع تروي الكثير، لكن لا شيءَ يُقارَن بـ»البحصة» التي «بقّها» النائب شامل روكز: «الحرب ضدي خسّرتني 6 آلاف صوت»!
لم يكن تفصيلاً عابراً أن تنقضي ساعاتُ ليل ما بعد 6 أيار ومصير «الجنرال المغوار» لا يزال مجهولاً، في تنافسٍ على الصوت الواحد، مع «زميله» في اللائحة روجيه عازار والنائب السابق منصور البون.
فارقُ الأصوات التفضيلية بين وريث مقعد ميشال عون والفائز الأول في كسروان نعمه إفرام بلغ 3417 صوتاً، وبينه وبين عازار الذي حلّ آخراً في ترتيب اللائحة 507 أصوات، وبين روكز والبون الخاسر الأول 711 صوتاً. لا تتناسب النتائج مع ما جهِد روكز لإثباته قبل الانتخابات!
القريبون من روكز «يبقّون» البحصة، دافعهم الأول توضيح حقائق عدّة وكشف «المؤامرة» وتذكير، مَن يحاول الإيحاء بوصوله ضعيفاً الى المجلس النيابي، بأنه «خرج منتصراً من معركة تكاتف الجميع ضدّه فيها».
البداية من قانون الانتخاب نفسه. لا يخفي روكز رأيه الصريح في «قانون فُصّل على قياس شخص أو أشخاص. كان يُفترض السير بدوائر أوسع على أن يكون الصوتُ التفضيلي ضمن الدائرة وليس القضاء. هكذا يخفّ تأثير عامل المال ويصبح للخطاب السياسي تأثيرُه الأكبر». عاملان «إشتغلا» ضدّ روكز ولمصلحة جبران باسيل، في رأي القريبين من قائد فوج المغاوير السابق.
ومَن واكب تفاصيل تأليف «لائحة العهد» في كسروان – جبيل تيسّر له رصد مآخذ روكز عليها. إصطدم «العميد» بعائق أساسي. ثمّة مَن فَرَض عليه مرشحين لا يريدهم أوّلهم نعمة إفرام وثانيهم روجيه عازار. الأول، وفق مؤيّدي روكز، ينتمي الى نادي «المتموّلين» على اللوائح التي شكّلها باسيل في المناطق وكانت لديه في يوم الانتخاب «جرأة» إنتقاد سلوكياتهم في دفع الأموال، والثاني يصفونه بـ «الخيار المدمِّر» الذي انعكس سلباً على اللائحة ورصيد روكز في الأصوات التفضيلية بحيث سُحب منه نحو الفي صوت.
وحين يتخلّى روكز نفسُه عن ديبلوماسيّته في مقاربة ما تعرّض له، قبل العملية الانتخابية وخلالها، يقول أمام زواره «لعبوا ضدي بوقاحة لا مثيل لها. وأنا خرجتُ منتصراً من معركة تكاتَف الجميع فيها ضدي لأنّ الناس الأوفياء وقفوا الى جانبي وقاوموا المال والإغراءات و»الحرتقات». لقد خسّروني 6 آلاف صوت من داخل اللائحة وخارجها».
لم يكن كلامُ روكز في «إحتفال النصر» في «بلاتيا» في 11 أيار مجرد كلام عابر. تحدّث عن السياسيين الذين «يضعون أيديهم بيديك ويغدرونك، وتعطيهم ثقة الرجال لكنهم لا يكونون أهلاًَ لها». وقال «لا يحلمنَّ أحدٌ باستسلامي.لا ينتظرنّ أحدٌ إنهياري، ولا يفكّرنّ أحدٌ باعتكافي».
خطاب روكز هذا لا يفسّر سوى كونه محاولة للدلالة بالأصبع الى مَن حاول «محاصرته»… لإخراجه. والاتّهامات هنا تطاول الجميع. «كلّهم يعني كلّهم». باستثناء مَن يصفهم «الأوفياء الذين قاوموا كل الإغراءات، وبهم إنتصرنا» لا يستثني روكز أحداً، «على رأس اللائحة «التيار الوطني الحر» بسبب سياسة النكايات وتصفية الحسابات الحزبية، وغول المال الذي تجسّد بنعمة إفرام وروجيه عازار. حتى «القوات» دفعت أموالاً طائلة، كذلك فعل فريد هيكل الخازن. فقط أنا وزياد خضنا إنتخاباتٍ بلا مال، و«من دون أحزاب بضهرنا».!
يتحسّر نائب كسروان على «زياد بارود الذي يُشبهني، وأنا أردت إنضمامَ أكثر من زياد بارود الى لائحتي، ومنصور البون الذي تحالفتُ معه عن إقتناع». ويعترف «أنني اشتغلت على «حاصل» اللائحة وليس «التفضيلي». حتى في جبيل فعلتُ ذلك، كان ينقصنا في جبيل 200 صوت لكي يفوز ربيع عواد، مع العلم أنّ مصطفى الحسيني صديقي وأحترمه».
يعترف مواكبون للعملية الانتخابية في كسروان أنّ «اللائحة لم تكن متجانسة و»تركيبها» بهذه الطريقة كان مؤذياً لروكز، وعملياً خاض الانتخابات بمفرده». يقول روكز «أنا أقدّس مَن وقف الى جانبي ودعمني».
مؤشرات «المؤامرة» بدأت تلوح في الأفق منذ الخميس، أي قبل ثلاثة أيام من الانتخابات. فزيارة باسيل لكسروان وخطابه في ميروبا خلال مهرجان لائحة «لبنان القوي» قَلَبَ المزاجَ الكسرواني رأساً على عقب. يقول زوار روكز «ساهم باسيل في شدّ العصب الخازني حين هاجم «زفّاتين الزواريب» ودعا الى الثورة على الإقطاع بعدما كان تكفّل في خطابات سابقة بشدّ العصب القواتي».
وتكلّلت «كارثة» باسيل بتجيير «ثورة الإنماء» لروجيه عازار «الذي بدأها في كسروان وسنكملها معه». يومها إعتُبِر كلام باسيل بمثابة إنحياز كامل للمرشح الحزبي على حساب بقية أعضاء اللائحة، غير الحزبيين، ويتقدّمهم روكز. أما في يوم الانتخاب فتكرّست الاصطفافات حين تقصّدت إبنةُ رئيس الجمهورية ومستشارتُه ميراي عون التقاط صورة مع عازار في مكتبه الانتخابي.
يملك روكز، وفق زوّاره والقريبين منه، تفسيراً لانخفاض نسبة الاقتراع تحديداً في كسروان هو أنّ «الناس قرفوا وحتى «العونيين» منهم. إذ كان يُفترض أن تكون عناوينُ المعركة عناوين كبرى مثل محاربة الفساد وتحريك الدورة الاقتصادية وإنهاء أزمة الكهرباء وغيرها، فإذا بشدّ العصب يتركّز على محاولة «تنجيح» أشخاص وتفضيل الحزبي على غير الحزبي. لقد تعرّض الناخبون لضغوط هائلة».
أما «التخبيص» في السياسة فوجد ترجمته على الأرض. على أساس أنّ هناك «ورقة تفاهم» مع معراب فإذا بالكسروانيّين، كما في بقية الدوائر المسيحية، أمام معارك تكسير عظم وتكسير رؤوس بين «الحليفين». روكز في المقابل، بدا منسجِماً مع مساره ومواقفه حيال أيّ إنتقاد وجّهه الى حزب «القوات»، فيما «التيار» أعطاه صكّ براءة ثمّ انقضّ عليه. ينتقد باسيل دفعَ المال الانتخابي وسلوكيات أصحاب رؤوس الأموال فيما لوائح «التيار» تعجّ بهم. هنا يبقّ «الروكزيّون» البحصة الأكبر: «صورة باسيل غير المحبّبة إعلامياً وشعبياً تنعكس سلباً على الجوّ السياسي عموماً والرئاسي خصوصاً».
سيصبح مفهوماً بعد «إختبار» الانتخابات تكريس «تمايز» روكز عن تكتل «لبنان القوي». تمايز لم يتأخر حتى تتبلور معالمُه. يُدلي روكز برأيه في شأن إختيار ايلي الفرزلي نائباً لرئيس مجلس النواب فيأتي الردّ من مكتب باسيل «أنّ «التكتل» هو صاحب القرار».
موقف روكز من الرئيس نبيه بري عاد وتبنّاه «التكتل» الخارج من الانتخابات. ليس هو مَن وصفه بـ «البلطجي»، بل كان من المطالبين بالتحالف معه إذا أمكن أو التعاون، وإلّا تكريس الاحترام المتبادَل. لاحقاً مَن نعته بهذا الوصف عاد وطلب من أعضاء «التكتل» التصويت له!
وها هو روكز يدلي برأيه الصريح بتبنّي خيار فصل النيابة عن الوزارة، وإن كان يفضّل أن يتكرّس بصيغة قانون لكي يأخذ صفة الإلزام. في المقابل، تغلي السيناريوهات بمَن سيوزّر من «تكتل» قد يسجّل رقماً قياسياً غير مسبوق في منح لقب «معالي الوزير» لأعضائه!