IMLebanon

شنغهاي والبريكس، ما لهما وما عليهما؟

 

 

تنعقد في هذه الأيام قمّة منظمة شانغهاي، في العاصمة الكازاخية نور سلطان، أو ما اصطلح على تسميتها سياسياً باسمها السابق أستانة، وهذه المنظمة تضمّ مجموعة دول صاعدة وذات وزن وتأثير على الساحة الدولية، وتضّم نصف سكان العالم وثلث اقتصاده، وهذه أرقام ليست بسيطة في مفهوم العلاقات الدولية، إذ تستطيع أن تؤثر على جوانب النظام العالمي، سلباً أو إيجاباً، بحسب الأداء والخطط والنيات، وبحسابات النجاح أو الفشل الذي يبقى مرهوناً بالنتائج وليس بالنيات فقط.

«منظمة شنغهاى للتعاون» تأسست عام 2001 بعضوية روسيا والصين وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وطاجكستان، وتتخذ من بكين مقرًّا رسميًّا لها، وفى عام 2017 ضمّت اليها باكستان والهند، وفي العام الماضي ضمّت إيران بعضوية كاملة وفي الأمس انضمت بيلاروسيا الى صفوفها.

وهناك منصة ثانية أيضاً تعمل على خط التوازن الدولي، على المستويات السياسية الاجتماعية والاقتصادية هي منظمة البريكس أو BRICS، وكما يستدل من الاسم هي الاحرف الأولى للدول الخمس الكبرى المؤسسة لهذه المنصة الدولية وهي: البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب أفريقيا.

 

كلا المنظمتين اتفق الأعضاء فيهما على فكرة مواجهة النظام المالي الاقتصادي العالمي الغربي السائد ما بعد الحرب العالمية الثانية وخلق دينامية جديدة وهيكلية جديدة تواجه المؤسسات السائدة أبرزها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ودور هذه المؤسسات المالية الكبرى في سياسة الدول والحكومات من خلال الاقراض ووضع السياسات والأطر التي يجب أن تسير ضمنها الدول التي تحتاج الى هذه المؤسسات وتتعامل معها وصولاً الى تحديدها والسيطرة على الولاءات.

 

ولطالما كان الهمّ الاقتصادي هو الطاغي على أفكار ودراسات الدول المنخرطة في هذه المنصات، للهروب من سلاح العقوبات والهيمنة المالية على القرارات السياسية وسيادة الدول وصولاً الى التأثير على حق الشعوب في تقرير مصيرها، ومدخل هذا المسار بدأ في التفكير بفرط هيمنة الدولار على التجارة العالمية وقوته وسطوته، وكان من هنا لا بدّ من فك الارتباط بالبترول الذي شكّل لعقود من الزمن قاعدة البترودولار التي أجبرت العالم كله على بيع ممتلكاته وعملاته لشراء الدولار للتمكن من الحصول على الطاقة.

 

ولم يكن لهذا الارتباط قائماً لولا التحالف العضوي مع الدول التي تُعتبر مصدر هذه الثروات النفطية. ومن هنا شكّلت الدول العربية الشرق أوسطية قبلة للدول العظمى وهدفاً لها، وكانت الغلبة في التفرّد بالعلاقات معها للولايات المتحدة الاميركية في العقود السبعة الأخيرة، قبل أن تنجح أخيراً دول البريكس وشنغهاي في استقطاب تلك الدول وادخالها في فلكها ومسارها من دون التخلّي عن تحالفاتها الغربية الى أن أصبح في الإمكان الحديث عن عدم تفرّد الغرب في العلاقات مع الدول المنتجة، وبالتالي عدم التفرّد والتحكّم في الأسواق والأسعار، وبدأ مسار ما يسمّى فك الارتباط بين الدولار والطاقة، وبالتالي بدأ الحديث عن التبادل التجاري في العملات المحلية، وهذا ما وافقت عليه السعودية في تبادلاتها مع الصين وغيرها في الأشهر الأخيرة.

 

الهمّ الاقتصادي هدفه سياسي، وكلاهما في ارتباط وثيق، بما أنّ سياسة الدول تقوم على الاقتصاد والموازنات والعجز والاكتفاء الذاتي والنظام المصرفي، ولا سيما الـ swift الذي ما زال سيفاً مصلتاً على رقاب الدول التي لا تسير مطلقاً في الفلك الغربي، وغالبيتها من الدول المؤسسة أو المشاركة في منصتي «البريكس» وشنغهاي.

 

وأبرز الأهداف السياسية التي تنشدها المنصات الحديثة والدول الأعضاء فيها، هي كسر الأحادية القطبية التي كانت سمة النظام العالمي وريث الحرب العالمية الثانية، والذي بدأ يرهق الدول والشعوب، والتطلع للانتقال الى نظام أكثر توازناً ومتعدد الأقطاب، يقيم الوزن للأقاليم، ويخفف من مركزية القرار والسيطرة والثروة، على المستويين السياسي والاقتصادي، وبدأت الدول تصبح أكثر اقتناعاً بهذا النموذج من النظام على المستوى الدولي، وبدأت بالتالي تلك الدول تنظر لتنويع علاقاتها وتحالفاتها، وبدأت تفكر في شكل أساسي بمبدأ التوازن في علاقاتها الخارجية، بين الشرق والغرب، ومن هنا نفهم عمق العلاقات السعودية ـ الروسية والسعودية ـ الصينية، ونفهم كيف أن تركيا تسعى في الوقت نفسه للدخول الى الاتحاد الأوروبي، وهي دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتبدي في الوقت نفسه الرغبة في الانضمام الى دول البريكس.

نعم، استطاعت مبادرات البريكس وشنغهاي أن تخلق دينامية جديدة على الساحة الدولية، وفرضت أساساً متيناً لبدء الحديث عن الانتقال من نظام الى آخر في العلاقات الدولية وعلى مستوى النظام العالمي. ولا شك أنّ التاريخ السياسي الحديث سيتوقف عند هذه المحاولات الجادة في هذا السياق، أما اذا أرادت أن تخرج من اطار المحاولة والمبادرة الى عالم الفعل والواقع والتحقق فلا بدّ من الخروج من اطار التمنيات والدراسات الى دائرة الفعل والواقع والتنفيذ، وأولى الخطوات التي على الدول المشاركة فيها أن تسعى الى استكمال مسار فك الارتباط بالدولار وتحرير التجارة العالمية لتحرير القرار السياسي، وبالتالي ضرب نظام العقوبات الاقتصادية التي تطاول الدول والشعوب لأهداف وأسباب سياسية، وهنا نكون قد خطونا الخطوة الأولى في مسار تحقيق التوازن على الساحة الدولية وبنينا المدماك الأول في بناء حق الشعوب في تقرير مصيرها، أما عكس ذلك فيبقى ضمن فلك المحاولات والتمنيات التي تنتهي بالفشل والشواهد التاريخية على هذا النوع من المحاولات كثيرة.