عودة التوتر الى عرسال مع تفجير جديد
لبنان: إلقاء القبض على سوريين مرتبطين بتنظيمات متشددة
بيروت: كارولين عاكوم
اهتزّ الأمن مجددا في لبنان من بوابة عرسال الحدودية في البقاع (شرق لبنان) بانفجار عبوة ناسفة استهدفت شاحنة عسكرية تابعة للجيش، أثناء انتقالها داخل البلدة، مما أدى إلى مقتل عسكريين اثنين وإصابة 3 آخرين بجروح، حسبما أعلنت قيادة الجيش في بيان لها، مشيرة إلى أن الشرطة العسكرية تولت التحقيق في الحادث، بعدما فرضت قوى الجيش طوقا أمنيا حول المكان، وحضر الخبير العسكري، وفحص موقع الانفجار.
واتهمت جبهة «النصرة» الجيش اللبناني و«حزب الله» بـ«فبركة عملية عرسال اليوم واعتقال المدنيين بهدف إفشال المفاوضات بشأن العسكريين المختطفين».
في غضون ذلك، وصل أمس إلى لبنان الموفد القطري الذي يتولى المفاوضات بشأن العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«جبهة النصرة»، بينما حقّقت القوى الأمنية إنجازا نوعيا، تمثّل في إلقاء القبض، أمس وأول من أمس، على قاتل العسكري عباس مدلج، وتوقيف 6 أشخاص من التابعية السورية في جنوب لبنان، لارتباطهم بتنظيمات متشددة، قد يكونون على علم بمكان احتجاز العسكريين.
وقد عمد الجيش اللبناني، وبعد ساعات قليلة على وقوع الانفجار، إلى استهداف تحركات للمسلحين في جرود عرسال، عند السلسلة الشرقية بالأسلحة الثقيلة، فيما نفذ الطيران الحربي السوري غارات على المنطقة نفسها، وفق ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام.
وأثار التفجير حالة من الإرباك في منطقة عرسال، وقد عمد الجيش إلى استقدام المزيد من التعزيزات، لا سيما أنه وقع وعلى خلاف كل الاعتداءات السابقة داخل المنطقة المأهولة التي يسيطر عليها الجيش، وليس في الجرود، حسبما أكد نائب رئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي، لـ«الشرق الأوسط»، واصفا إياه بـ«الخرق». وذكرت «المحطة اللبنانية للإرسال» أن زنة العبوة بلغت 20 كيلوغراما، وهي فجرت عن بعد بعدما زُرعت من ناحية داخل بلدة عرسال، وليس من جهة الجرود، وأحدثت حفرة بعمق 60 سنتيمترا.
واستبعد الفليطي في الوقت عينه أن يكون ما حصل مؤشرا على فتح معركة جديدة على غرار تلك التي وقعت في بداية شهر أغسطس (آب) الماضي، وأوضح أن الوقائع على الأرض تشير إلى أنه ليس من مصلحة أي طرف اليوم فتح المعركة، لا سيما أن المسلحين في جرود عرسال والمناطق السورية الحدودية بدأوا ينسحبون باتجاه العاصمة، ويحرزون تقدما في القلمون.
وتابع رئيس الحكومة تمام سلام المستجدات الأمنية مع نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي، وأكّد «على ضرورة التنبه والاستعداد في مواجهة القوى التكفيرية المستمرة في اعتداءاتها في منطقة جرود عرسال».
كما استدعى الاعتداء على الجيش ردود فعل مستنكرة من مختلف الأطراف السياسية. واتصل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بقائد الجيش العماد جان قهوجي، مدينا التفجير، وعدّ أن «هذا الاستهداف ينوي توريط عرسال وأهلها»، داعيا إلى «الالتفاف حول الجهود الحالية لإطلاق المخطوفين لدى المجموعات الإرهابية».
وعدّ وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أن «عرسال مدينة محتلة، وأن تحريرها لا يكون إلا بمخيم خارج المدينة»، وناشد في حديث تلفزيوني خلال زيارة رسمية له إلى موسكو، النائب ميشال عون، الموافقة على إقامة مخيم للاجئين السوريين، في الإشارة إلى معارضة وزراء عون في الحكومة إقامة مخيمات للسوريين. وقال المشنوق: «عون يعلم أن أي صدام بين الجيش والمجرمين التكفيريين ستدفع ثمنه عرسال بسبب اللاجئين».
من جهته، أدان «حزب الله».. «الجريمة الإرهابية بحق الجيش»، ورأى في بيان له أنه في مثل هذه الظروف الحساسة فإن المهم هو التكاتف حول المؤسسة العسكرية الواحدة والموحدة في مواجهة ما يتهددها من أخطار إرهابية.
في موازاة ذلك، وصل أمس إلى لبنان الموفد القطري الذي يتولى مهمة المفاوضات بشأن العسكريين مع «داعش» و«النصرة» في القلمون، وهو، كما أشارت بعض المعلومات، رجل الأعمال السوري الذي يحمل الجنسية الروسية جورج حصواني، والذي كان قد تولى التفاوض مع ما يُعرف بـ«ملف راهبات معلولا» اللاتي احتجزتهن «جبهة النصرة».
وفي هذا الإطار، أكد قيادي في «جبهة النصرة» لوكالة أنباء «الأناضول» أن شروطهم للإفراج عن العسكريين اللبنانيين المخطوفين ليست تعجيزية، وأنها لا تتضمن المطالبة بالإفراج عن معتقلين في سجون النظام السوري، مع العلم بأنه، كما بات معروفا، فإن المطالب ترتكز بشكل أساسي على إطلاق سراح موقوفين إسلاميين متشددين في السجون اللبنانية.
وذكرت معلومات صحافية أن القوة الأمنية أوقفت كلا من دحام عبد العزيز رمضان، وخالد وليد البكير، وعبد الله أحمد السلوم، في منطقة بعلبك، وهم من الجنسية السورية، وقد أظهرت التحقيقات معهم أنهم ينتمون إلى تنظيمات إرهابية، واعترف دحان بأنه هو من قام بذبح مدلج. وأشارت المعلومات إلى أن الموقوفين على علم بمكان احتجاز «داعش» العسكريين المخطوفين، ودفن العسكري مدلج في جرود عرسال. وقد نقل الموقوفين ليلا إلى بيروت تحسبا لأي رد فعل من جانب أهالي العسكريين الذين قطعوا الطريق عند مدخل بعلبك – دورس فور شيوع الخبر، ولمواصلة التحقيقات معهم، بحيث تقوم شعبة المعلومات بتحليل ومقارنة بين الصور والفيديو والتسجيلات الموجودة على هواتف الموقوفين.
وقد ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام أن شعبة معلومات الجنوب في الأمن العام ستة سوريين لارتباطهم بجهات أصولية. وجرت إحالتهم إلى الجهات المختصة في المديرية العامة للأمن العام للتوسع في التحقيق.
كذلك، أوقفت قوى الجيش في منطقة المصيدة – عرسال، اللبناني بسام يوسف الحجيري، وبرفقته السوريان أحمد سمير حين وفادي عمار الحلبي، اللذان كانا يتجولان من دون أوراق ثبوتية، وقد اعترف الأخيران بانتمائهما إلى تنظيمين إرهابيين. في المقابل، لم تخفِ أوساط إسلامية متابعة للملف، تخوّفها من تعثر المفاوضات التي تدور الآن بين قطر وتركيا، ورعاية المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من جهة، والخاطفين من جهة أخرى، مما قد ينعكس سلبا على سلامة المحتجزين.
وأوضحت هذه الأوساط لـ«وكالة الأنباء المركزية» أن «تحليل الوضع الراهن يشير إلى أن الدول المفاوضة كانت تظن أن قضية الخطف ستحل بالأموال، وبدفع الفدية لـ(داعش) و(النصرة)، لكن ذلك قد ينجح مع جماعات أخرى، إذ إن التنظيمين الخاطفين مكتفيان ماديا»، كاشفة أن «ذلك يعيدنا إلى المربع الأول، فالحكومة عاجزة عن اتخاذ قرار في موضوع (المقايضة)، والمسلحون يرفضون أن يظهروا بمظهر الذي جرى شراؤه بالمال، وهنا تكمن الأزمة». وأبدت الأوساط تخوفها من تنفيذ الخاطفين تهديدهم بقتل عسكري آخر.