IMLebanon

تقاسُم نفوذ بين القوى العالمية والإقليمية في العالم العربي

في خطابه أمام حشد من الدبلوماسيين الفرنسيين والأجانب في باريس 21 كانون الثاني الماضي، شدّد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند على ضرورة لعب كلّ من إيران والسعودية دوراً فعّالاً في تسهيل الطريق أمام انتخاب رئيس جمهورية لبنان.

هذا الخطاب كغيره يبرز الدعوة المباشرة إلى الدول الإقليمية للضغط على حلفائها المحليين والتوجّه لانتخاب رئيس الجمهورية. فالحراك السياسي الذي يشهده لبنان، والتحالفات والترشيحات السوريالية بين خصومٍ متعارضة لدليل على أنّ حراكهم موجّه بدوافع خارجية.

في مسارات الحروب وفرض الهيمنات وتقسيمات الدول وتصنيفاتها عبر التاريخ، نجد أنّ الدول العظمى كانت تعتمد على سيطرة العالم ورسم خرائطه عبر تدخلاتها المباشرة ضمن نفوذ عسكري أحياناً، وأحياناً أخرى إقتصادي لفرض سياساتها على أرض الواقع.

فالتدخل الأميركي في العراق عام 2003، والدخول الروسي العسكري في سوريا، واكتساح الصين بمنتجاتها الإقتصادية لدليل واضح على تدخّلها في تغيير سياسات العالم، وفقاً لقانون «الحق للقوة، وليس القوة للحق» الذي طرحه القائد المغولي جانكيزخان، حيث يعطي الأحقية لمَن يمتلك هذه القوة في القيام بمختلف الأساليب لتحقيق الأرباح، وتثبيت الذات في عالم باتت الحدود مسيّبة، والأطماع لا حدود لها.

بالنسبة إلى واقعنا العربي الذي يشكّل مسرح الصراعات والتجاذبات حيث تتقاسم الدول نفوذها، مُستغلةً قوتها العسكرية في فرض واقع تريده. هذا الواقع أدخل التنافس والصراع بين قوة دولية وأخرى إقليمية تعتبر أنّها قادرة على اللعب إقليمياً من خلال دعم قواها المحلّية في أكثر من بلد عربي كإيران على سبيل المثال، وما يمثّله حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، أو السعودية التي تدعم السلطة الشرعية في اليمن، أو فريق سياسي في لبنان، أو المعارضة في سوريا.

هذا التنافس برز جلياً، وعلى أوسع نطاق جغرافي، إذ أكّد علي أكبر ولايتي رئيس مركز البحوث الإستراتيجية «أنّ إيران لن تترك الأسد في ميدان الحرب، ولا في ميدان السياسة»، مشيراً إلى أنه «لولا الدعم الإيراني لسقط نظام الأسد في سوريا».

واعتبر المسؤول الإيراني أنّ الحرب الدائمة في سوريا التي تخوضها جميع القوى الدولية حالياً، نموذج مصغّر لحرب عالمية، وقال إنّ دور دول الإقليم في الحرب العالمية المصغّرة الدائرة في سوريا هو أكبر من الدول العظمى.

وفي موقف مقابل من الصراع الدائر في سوريا والمنطقة، نجد وزير خارجية السعودية وفي جميع التصاريح يعلن أنْ «لا تسوية في سوريا بوجود الأسد». هذا الموقف المدعوم من دول مجلس التعاون الخليجي، على لسان عبد اللطيف الزباني بـ»أنّ إيران تتدخل في الشؤون العربية ويجب وضع حدّ لهذا».

في لعبة الأمم قلّما نجد ثقة الدول العظمى كبيرة بمعاونيها على أرض الواقع وهم اللاعبون الإقليميون. لذلك ما يحدث من مناوشات بين إيران والسعودية يُظهر أنّ الأمور تتجه نحو قراءتين:

– الأولى: توضح مدى فاعلية الدور الإقليمي في المنطقة والمساحة الواسعة في اتخاذ القرارات وصولاً إلى حدّ التنفيذ. لذلك نرى نفوذ كلّ من إيران والسعودية في أكثر من بلد عربي كبيراً وتأخذ خلافاتهما طابعاً من الصراعات المسلّحة بجماعات تموّلها بين المقاتلين على أرض سوريا والعراق. هذا ما يفسّر حقيقة النظام الدَولي في زمن العولمة حيث العالم يعيش صراعاتٍ متنقلة هنا وهناك على مصالح مختلفة.

– الثانية: تتوقف على النظرة التقليدية للعبة الدول بين الأقطاب العالمية التي تمتلك القوة والقدرة لفرض معادلتها، وبينما يبقى دور كلّ من اللاعب الإقليمي والمحلّي يقتصر على تنفيذ الأجندة المطلوب منها.

أخيراً، يبقى القول إنّ ما يحصل في عالمنا العربي هو مسار طبيعي لما بات يُعرف بفرض القوة من قبل اللاعبين الدَوليين، إما بأدواتهم الذاتية أو عبر أدوات يزرعونها هنا وهناك لتشكّل ورقة ضغط رابحة في مفاوضاتهم أو صراعاتهم علّها تحقق لهم الربح.

لذلك، لا يُتوقع حلّ سحري في المنطقة، كما من الممكن أن تشهد الصراعات فيها منحنى عامودياً لتزداد وتطال بعض الدول التي كانت تُعتبر في الأمس القريب أكثر أمناً من الآخرى.