دخول رتل من الدبابات الايرانية،الاراضيَ العراقية، مرّ وكأنه خبر عاديّ لا يجسد تحولاً استراتيجياً في قلب الحروب والصدامات التي تجتاح الشرق الاوسط، ولا تغييراً جيوستراتيجياً عميقاً لم يحصل منذ أكثر من 1400 سنة. الدبابات الايرانية دخلت بطلب وبموافقة عراقية واميركية سرية أو علنية لا فرق، سواء كابر المسؤولون العراقيون وسكت الاميركيون، وأكثرَ الايرانيون من الشعارات الاسلامية والاخوية والحرب على الإرهاب.
لم يكن الايرانيون ليفكروا بهذا الاختراق التاريخي لولا الموافقة الاميركية. الاميركيون مصممون على عدم الانزلاق نحو الحرب البرية. الجو يكفيهم، لانهم يمتلكون قراره. إذن الدبابات الايرانية تتقدم بغطاء جوي اميركي. الجنرال قاسم سليماني لم يكن، مهما بلغت شجاعته وعظمته، ليقود وهو في الارض العراقية، لو لم يكن الطيار الاميركي يحميه ويضمن الغطاء الناري لدباباته. السؤال كيف وصلت العلاقات الاميركية الايرانية الى هذا الحجم من التعاون الميداني العسكري والأمني، لو لم يكن يوجد تفاهم وتفهم سياسي يشكل أرضية مناسبة لهذا التحول؟ لماذا ذهب الرئيس باراك اوباما بعيداً في هذا التفاهم في وقت لم يتم التوقيع على الاتفاق النووي سواء بشقه الأول أي الاطار العام او في شقه الثاني وهو الاتفاق النهائي؟ وأخيراً لماذا يراهن اوباما على هذا التفاهم الذي يقود الى مسار تطبيقي شامل يصل الى التحالف؟
مسار الرئيس باراك أوباما في التفاوض مع ايران، ليس نتيجة انفعال ولا هو خيار شخصي منفصل عن التاريخ العريق لصوغ القرارات الاستراتيجية داخل المؤسسات الاميركية.
يرى خبراء في واشنطن، ان احداث 11 ايلول ليست مجرد حدث انتهت مفاعيله مع الحربين ضد العراق وقتل اسامة بن لادن. لقد اخترق مشهد البرجين وهما يتساقطان في نيويورك كل الذاكرة الشعبية الاميركية، وبقي ثابتاً وصلباً فيها لذلك جرى ويجري البناء على مفاعيلها من طرف المؤسسات الاميركية. وما يحصل في الشرق الاوسط جزء من عملية البناء الجارية.
تستند العملية الاوبامية على عامل مهم، «ان الفكر السني الاصولي تاريخي وراسخ في عدائه للآخر سواء كان داخلياً أو خارجياً. وأن الصراع الاسرائيلي العربي، قد اطلق كل الاسباب الموجبة لتفعيل هذا العداء ضد الولايات المتحدة الاميركية. في حين ان الفكر الشيعي الاصولي (اذا صح التعبير) حديثاً، وكان في الاصل يحاذر التجسد في عداء خارج عدائه المضمور الذي جرى صوغه في كربلائية لا تندفع نحو الخارج. الفكر الاصولي الشيعي ليس عميقاً ضد الولايات المتحدة الاميركية ولولا الخطاب الخميني لم يحصل اي صدام. الخلاصة يمكن المصالحة مع الحكومات الايرانية بالتعاون مع الشعب الايراني، والتقدم نحو التحالف. أما التفاهم مع الآخر فإنه صعب جداً ولن ينضج إلا على نار صدامات كثيرة وليس فقط مع تصفية «داعش» الصعبة.
انطلاقاً من هذه النظرية التي تجد لها ردود فعل ميدانية فان الاتفاق النووي سيتم بين واشنطن وطهران. رغم المعارضة المتصلبة للكونغرس. أوباما قادر مع الاتفاق على الاطار على الفصل بين العقوبات الاميركية والدولية. وهذا يعطي طهران اكثر من كمية من الاوكسجين لمساعدتها على التنفس، انه يجعلها تقف على قدميها، من مفاعيله استرداد إيران نحو مئة مليار دولار من اليابان والصين وغيرها من الدول الاسيوية. الاتفاق سيثبت «تقاسم النفوذ» في العراق. واشنطن اعترفت ميدانياً بالوجود الايراني. لم يعد سوى «هيكلة» هذا النفوذ باختصار. العراق تمَّ التفاهم عليه.
أما سوريا وهي بيت القصيد فان الحرب فيها مستمرة وهي ستزداد ضراوة. لأول مرة يقول جون كيري «قد يكون السلاح ضروريا للتعامل مع الأسد». بهذا فتح كيري الباب نحو «التفاوض بالنار» مباشرة مع إيران، تدريب مقاتلين معتدلين سوريين بداية مهمة، لاحقاً قد يُفرض حظر جوي مباشر او ميداني على طيران البراميل المتفجرة الاسدي، ومن ثم الضمان الميداني لمعارضة داخلية بالتعاون مع تركيا.
أما لبنان، فان حماية السلم الاهلي البارد فيه ستبقى مهمة دولية، لكن السباحة في الفراغ قد تكون قاتلة خصوصاً متى اقترب التفاهم الاميركي الايراني التركي حول مستقبل النظام الأسدي.
اللبنانيون امام تحدّ مصيري، يوقفون سباحتهم في الفراغ، او يجدون انفسهم امام اتفاقات من نتاج واقع الأمر التي تكون اسرائيل في قلبها، لأن امنها من أمن الولايات المتحدة الاميركية سواء مع نتنياهو وأوباما او غيرهما.