أتت زيارة المستشار الأعلى لمرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي أكبر ولايتي لبيروت، ولاحقاً دمشق، مفاجئة في توقيتها قبل أسابيع قليلة من الموعد المفترض لإنجاز الاتفاق النهائي على الملف النووي لبلاده مع الغرب. ويتزامن هذا الإنجاز، الذي سيريح إيران وإن تدريجياً من عقوبات دولية قزّمت اقتصادها، مع خسائر تتراكم بدءاً من اليمن مروراً بالعراق وسوريا بحيث لم يتبقّ سوى تلميع انتصارات «حزب الله» المزعومة على جبهة القلمون عند الحدود مع سوريا.
فالصيغة النهائية للاتفاق النووي باتت شبه جاهزة وستقرّ بالتأكيد بحلول 30 حزيران المقبل وفق ما نقل مسؤول لبناني عن ولايتي. ومن دون أن يوضح المضمون، أشار ولايتي إلى أن لهذا الإنجاز انعكاسات على المنطقة تشمل لبنان، لافتاً إلى أن البحث في تقاسم النفوذ الإقليمي سيلي ذلك، ومكتفياً بالقول لمحدثه «لن نحصل على كل ما كنا نتمناه».
وكأن لبنان لم يكتفِ بما يورّطه به «حزب الله» عبر قتاله إلى جانب النظام السوري، فقد شكلت تصريحات ولايتي نوعاً من التوريط السياسي عبر استخدام البلد منصة لإطلاق رسائل سياسية إقليمية طاولت أولاً المملكة العربية السعودية خصوصاً بشأن مؤتمر الرياض «لإنقاذ اليمن».
وكان العنوان العلني الأبرز لزيارة ولايتي تمجيد انتصارات «حزب الله» في القلمون، والتي يصفها سياسي لبناني سيادي بأنها مجرد انتصارات «إعلامية وهمية« تراوح بين كرّ وفرّ وإلا لما كانت هناك حاجة إلى تزكية إيران هذه «الانتصارات» التي تلت مراكمة الهزائم انطلاقاً من اليمن بعد «عاصفة الحزم»، مروراً بالعراق حيث مُنِيَ الجيش النظامي الذي بنته الولايات المتحدة وميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من طهران بخسائر فادحة للمرة الثانية خلال بضعة أشهر، في الرمادي بعد الموصل. أما في سوريا، وبعد تبلور المثلث السعودي التركي – القطري، فتوالت إنجازات المعارضة جنوباً وشمالاً وآخرها مع سقوط معسكر المسطومة، أكبر قاعدة عسكرية كانت لا تزال بيد النظام في ادلب، بيد «جيش الفتح».
ولو كانت «انتصارات» القلمون حقيقية لاكتفى «حزب الله» بما يحققه في قتال «الإرهاب التكفيري» من دون أن يسعى صراحة إلى توريط الدولة والجيش إلى جانبه في الوحول السورية عبر تلميح أمينه العام حسن نصر الله إلى أنه سيأخذ على عاتقه أمن عرسال إذا لم يقم الجيش بذلك. وقد كثف نصر الله مؤخراً إطلالاته، التي لم تكن لتتعدى أصابع اليد الواحدة سنوياً، سعياً إلى إقناع بيئته أولاً واللبنانيين عموماً بأنه منتصر وأنه الحامي حالياً من الإرهاب التكفيري كما سبق له أن حمى من العدو الإسرائيلي. ويرى السياسي السيادي بأن كل هذا «يهدف إلى تكريس الحق في تحسين ظروف الحضور السياسي عبر الإطاحة باتفاق الطائف وفرض تقاسم جديد للسلطة. لكن ليس بمقدورنا أن نتوصل في كل يوم لصياغة طائف جديد، فالاتفاق المذكور أتى بعد أن سقط أكثر من 120 ألف قتيل وأهم ركائزه مقايضة أعطى المسيحيون بموجبها المسلمين إصلاحات دستورية كانوا يطالبون بها مقابل إعلانهم انتسابهم الأكيد والنهائي للبنان«، لافتاً إلى أن المطلوب هو العمل على تطوير اتفاق الطائف عبر توضيح مواد غامضة أو عبر تنفيذ بنود ما زالت عالقة.
ويتابع المصدر ساخراً: يحدّد «حزب الله العدو ويتبرّع بالدفاع من دون استئذان، يحدد ميدان المعركة وتوقيتها ليقول لاحقاً لقد دفعت من دماء أبنائي فيما أنتم، يا بقية اللبنانيين، تتابعون مسار حياتكم العادية وبالتالي يحق لي ما لا يحق لسواي«. ومن دون تسمية المقصود رغم وضوحه يلفت المصدر إلى «سلوك متهور انتهازي» يساعد «حزب الله» عن وعي أو من دون وعي في مخططه، لأنه أولاً وأخيراً يغلب مصلحته الفردية حتى على مصلحة فريقه.