نقيب الغوّاصين: لم يُسجّل في تاريخ لبنان أنّه التهم أي مواطن
بعد الزلزال المُدمّر الذي ضرب تركيا في شباط الماضي، أُصيب اللبنانيون بحالة من الهلع والخوف معاً، بعدما لاحظوا تراجعاً في مياه البحر لأمتار عدّة وانخفاض منسوبه بشكل لافت على طول الشاطئ، لم تُجدِ تطمينات العلماء وخبراء الجيولوجيا المتكرّرة بأنهّا ظاهرة طبيعية لحركتي المدّ والجزر في مثل تلك الأيام من السنة، إلا بعد مرور أسابيع عدّة، هدأت النفوس وعادت الأمور إلى طبيعتها.
اليوم، يتكرّر المشهد مع بدء فصل الصيف، حيث نشر ناشطو وروّاد البحر أكثر من مرة مشاهد لأسماك القرش أو الحيتان وهي تسبح قبالة الشواطئ اللبنانية في ظاهرة لافتة، وآخرها قبالة صيدا – الصرفند، ما أثار الهلع والخوف بين صفوف السبَّاحين مجدّداً خشية أن يقعوا ضحيّة لها، كما حصل على حين غرَّة مع السائح الروسي الذي التهمه القرش في أحد منتجعات الغردقة في مصر.
ويتّفق الغوّاصون وعلماء البحار على أنّ لا وجود للحيتان قبالة الشواطئ اللبنانية، بينما أسماك القرش موجودة وهو أمر ليس بجديد، وقد بدأت تزداد بعد إعادة فتح قناة السويس المصرية عقب إقفالها إبّان تفشي جائحة «كورونا»، ولكن البعض بالغ في ظهورها والبعض الآخر روّج لمخاطرها من أجل ردع السبَّاحين من ارتياد البحر والتوجّه إلى المسابح الخاصة بهدف الربح الوفير. فضلاً عن ذلك، فإنّ أسماك القرش لا تتكاثر بشكل مستمرّ ما يجعل مخاطرها محدودة نظراً لقلّة عددها، بينما ينتهك البعض قوانين الصيد ويستعمل الأساليب والوسائل الممنوعة وأخطرها الديناميت وفي أماكن قريبة من الشواطئ، فيقتل كميات كبيرة من الأسماك، وهذا ما يجذب أسماك القرش، والأخطر من هذا يعمل على تغيير في النمط الغذائي لأسماك القرش ومكان تواجدها الأساسي، ما يُشكّل خطراً ومواجهة بين الصيادين وأسماك القرش.
ويؤكّد رئيس نقابة الغوّاصين المحترفين في لبنان محمد السارجي لـ»نداء الوطن» أن لا وجود للحيتان قبالة الشواطئ اللبنانية، ولا في البحر الأبيض المتوسط، إذ إنها تتواجد في المحيطات، في إشارة نفي إلى الفيديو الذي ظهر فيه حوت فوق سطح المياه، معتبراً أن «الصوت الذي سُمع باللهجة اللبنانية يمكن أن يكون مركّباً»، مشدداً على أنه «لم يسجل في تاريخ لبنان أنّ القرش التهم أي مواطن أو وقوع حادثة غريبة». ويضيف: «البعض يعمد إلى تهويل الأمر بهدف الاستفادة المالية، تحت شعار: مصائب قوم عند قوم فوائد، فتارة يُروّجون أنّ مياه البحر ملوّثة، وتارة أخرى أنه توجد أسماك قرش أو حيتان لتخويف الناس ودفعها لعدم النزول إلى الشواطئ الشعبية، وارتياد المسابح الخاصة، فيما الحقيقة واضحة بأن بعض الصيادين يلقون الديناميت والمتفجّرات، ما يؤدّي إلى نفوق كميات كبيرة من الأسماك تجلب القرش للحصول على طعام مجاني، فيقترب من الشاطئ».
ووفق الباحثين، فإنّ الحيتان كانت تسبح في مياه البحر الأبيض المتوسط منذ آلاف السنين، وقد انقرضت على أيدي البشر، وخاصة نتيجة صيدها في عهد الإمبراطورية الرومانية، بحسب ما نقلت صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية التي تؤكد أنّ بقايا كل من حوت شمال الأطلسي والحوت الرمادي قد اكتُشفت في مضيق جبل طارق، وهو ما يؤكد الروايات التاريخية القائلة بأنّ هذه المخلوقات كانت تعبر إلى البحر المتوسط من شمال المحيط الأطلسي لتربية صغارها.
وتقول مديرة البيئة والتنمية في نقابة الغواصين المحترفين في لبنان أمل جفال لـ»نداء الوطن»: «إنّ ظهور هذه الحيوانات البحرية ليس جديداً، وهناك أسباب عدّة لمرور أنواع مختلفة عن الأنواع الأصلية الموجودة في بحرنا ومنها تغيّرات المناخ، هذه الحيوانات الضخمة لها دور مهم وأساسي في حماية البيئة البحرية والحفاظ عليها، ولا تُهاجم إلا في حالة ردّة فعل للدفاع عن نفسها أو في حالة الجوع».
وتوضح «أنّ تدهور الموائل الذي يُسبّبه عدد من الأنشطة البشرية، مثل الصرف الصحّي، المصبّات البحرية، المراسي، التجريف، التفجير، والإغراق، بناء الميناء، والطاقة الكهرومائية والمشاريع على حدّ سواء، يؤدّي إلى تدهور البيئة وتأثر الثدييات البحرية التي تعيش في البيئات الساحلية، فتبحث عن أماكن أكثر أمناً واستقراراً، فتكون وجهتها البحر المتوسط».
وتؤكد نقابة الغوّاصين المحترفين في لبنان أنّ البحر الأبيض المتوسط يُعدُّ بحراً داخلياً يقع بين أوروبا وآسيا وأفريقيا، ويتّصل بالمحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق بين المغرب وإسبانيا ويوفّر موطناً لحياة بحرية متنوعة ومنها أسماك القرش، مشيرة إلى أنّ هناك أكثر من 47 نوعاً مختلفاً من أسماك القرش، «لا ننفي خطورتها، لكن الخوف منها مبالغ نوعاً ما بسبب التهويل الإعلامي والسينمائي ولم تسجل أي حوادث رسمياً على شواطئ لبنان».