Site icon IMLebanon

لروّاد الشواطئ… لستم هدفاً لأسماك القرش!

 

أغلبيّتها ليست خطرة ونحن عادة المبادرون بالإعتداء

 

هل توجد أسماك قرش في لبنان؟ نعم، هي هنا في بحرنا منذ ملايين السنين. هل تشكّل خطراً علينا؟ كلا، إذ لم يتمّ توثيق أي حادث على شواطئنا لغاية اليوم. أين يكمن الخطر، إذاً؟ في الإنسان نفسه. فنحن نقوم باصطياد أعداد هائلة من تلك الأسماك دون مراعاة القوانين والمعايير البيئية. ما الذي يفسّر البلبلة المتفشّية في الأيام الأخيرة؟ إنها على الأرجح واحدة من ألاعيب وسائل التواصل الإجتماعي التي دَيدَنها فبركة الأخبار وتضخيمها بهدف التسلية وبث الإشاعات. وكأن هذا ما كان ينقص اللبناني.

الأسئلة عن القرش وانتشاره بيننا راحت تنهمر كرذاذ المطر منذ الخميس الماضي. ذلك بات حديث الساعة بلا مبالغة. لكن لنأخذ نفساً عميقاً و»نغوص» قليلاً في «بحر» أسماك القرش. أفلام كثيرة تفوح دراما ورهاباً تناولت الأمر من عشرات السنوات و»بالجايي». «Jaws» و»The Shallows» و»Deep Blue Sea» و»Open Water» نماذج منها. فإلى فيلم «سمك القرش» اللبناني الطويل.

 

لعبة زراعة الرعب

 

ضيا قبطان، شاب لبناني ينتمي إلى مجموعة تضمّ مئات الصيادين الذين يمارسون الصيد على مدار السنة داخل لبنان وخارجه. المجموعة يرافقها علماء الأحياء البحرية، معتمدين طرق الصيد الحضاري المرتكزة على حماية التنوّع الإيكولوجي والحفاظ على البيئة. يخبرنا أن «معظم التسجيلات التي ظهرت مؤخّراً يتمّ فيها تركيب الصوت فوق الصورة. فجأة، وبعد حادثة الغردقة في مصر، حيث قُتل مواطن روسي بهجوم سمكة قرش، أصبح القرش يظهر في كل مكان!… كيف ذلك وأنا الذي أغطس منذ عشرين سنة لم أصادف سمكة قرش واحدة حتى اليوم. ليس هدف القرش الإنسان وهو لا يبالي بنا أساساً». فالقرش، بحسب قبطان، يقترب من الشاطئ والمياه السطحية خلال فترة التوالد والتي غالباً ما تمتدّ بين شهري آذار ونيسان.

 

«نعم، نحن لا ننفي وجود أسماك القرش واحتمالية رؤيتها قريباً من الشواطئ. اذهبوا إلى أي مسمكة في طرابلس أو الضبية أو صور وسَتَرون ما لا يقلّ عن «نص دزّينة» أسماك قرش معروضة للبيع يومياً. لكننا نؤكّد أن الأنواع كافة الموجودة في لبنان إنما هي غير مؤذية. علماً أن حوادث هجوم القرش تُسجَّل عالمياً تبعاً للبلدان، ولم يتمّ تسجيل أي منها في لبنان حتى الساعة». هذا ما سمعناه من قبطان الذي أضاف أن وجود القرش ضروري للحفاظ على النظام البيئي، داعياً إلى عدم الانجراف وراء الأخبار التي تنتشر دون حسيب ولا رقيب. فهي لا تعمل سوى على زراعة الرعب في قلوب الناس الذين بات يتراءى لهم موج القوارب وكأنه سمك قرش لعدم إلمامهم عامة بالحياة البحرية.

 

الدلفين أشدّ خطراً؟

 

نسأل أكثر. وهذه المرة البروفيسور في الجامعة الأميركية والمتخصّص في علوم البحار، ميشال باريش. فقد أشار في حديث لـ»نداء الوطن» إلى أن البحر المتوسط يحتوي على ما يقارب 22 صنفاً من أسماك القرش المختلفة الأحجام. «كلّ الأصناف تلك لا تُعتبر خطرة باستثناء صنف واحد ألا وهو الـ»great white shark» والذي يتواجد بكميات قليلة. خلال 40 سنة من البحث المتواصل رأيت هذا الصنف مرة واحدة، وهو عبارة عن سمكة كبيرة تتحرّك من محيط الى آخر». باريش أوضح أن هناك أنواعاً من القرش تعيش في العمق غير أن الأكثرية – وهي تلك التي نراها في أسواق السمك – تتواجد على عمق يتراوح بين مئة وألف متر، في حين تعيش أنواع أخرى على عمق أقل من مئة متر لكن بعيداً في عرض البحر، أي على بعد كيلومترات عدّة. هذا إضافة إلى أنواع تقترب من الشاطئ بحثاً عن الطعام لتبتعد من جديد. أما القرش الذي نراه في التسجيلات مؤخّراً، فهو من نوع الـshallow water الذي يعيش على أعماق لا تتخطّى المئة متر.

 

لكن متى يعتدي القرش على الإنسان؟ سؤال آخر طرحناه على باريش، فأجاب أن أسماك القرش لا ترى جيّداً لكنها تشعر كثيراً وتشتمّ رائحة الدم، لذا فالصيّادون هم الأكثر عرضة للتعرّض لهجوم منها. فحين يقتل الصياد سمكة بمسدّس بحري، تقوم بشدّ عضلاتها محدثة صوتاً لا يسمعه الإنسان، على عكس سمكة القرش، فتقترب حينها من السمكة الأخرى ما قد يعرّض الصياد للخطر. «كمختصّين، يمكننا التمييز بين القرش العدائي والقرش المسالم. أما على الصعيد الشخصي، فأجزم بأن الدلفين – الذي يعتبره الجميع مسالماً وجميلاً – هو أشدّ خطورة من القرش كونه من الثدييات الذكية. فلو قرّر مهاجمة شخص ما، يدرك تماماً ما يفعل بخلاف سمكة القرش التي تُعدّ بدائية نسبياً». ويكفي النظر إلى الرسم البياني لمعرفة خطر الحيوانات الأخرى على الإنسان مقارنة مع أسماك القرش. لا بل أكثر. فالتهديد الأعنف هو ذلك الذي يمارسه الإنسان على أسماك القرش. والحال أنه في حين بلغ المعدّل السنوي لهجومات تلك الأسماك على البشر حول العالم خمسة فقط، يقوم الإنسان بقتل 11 ألف قرش كل ساعة يومياً.

 

وبالعودة إلى قبطان، فقد طالب بالتشدّد في منع صيد أسماك القرش خاصة أنها تتكاثر ببطء. «لا يتزاوج القرش إلا في عمر متأخر وتلد الأنثى ما لا يزيد عن 5 أو 6 أسماك كل سنة أو سنتين أو خمس سنوات حتى. وهذا بعكس سمك السردين، مثلاً، الذي يبيض سنوياً مئات الآلاف. وهكذا حين نصطاد 100 سمكة قرش في لبنان، نكون قد قضينا على حوالي 20% منها ما يعرّضها لخطر الانقراض السريع».

 

إرشادات…

 

لكن مهلاً. هل فكّرتم يوماً بما يجب فعله في حال واجهتكم سمكة قرش؟ للإجابة عن هذا السؤال، توجّهنا إلى المستشار الإعلامي في الحركة البيئية اللبنانية، مصطفى رعد، الذي بادرنا بأن البحار والمحيطات موطن تلك الأسماك في حين نحن زوّارها لا أكثر. ومن هنا تأتي ضرورة التعرّف إلى البيئة البحرية قبل دخول المياه. «وفقاً لخبراء مختصّين، أول ما يجب القيام به في حال التعرّض لهجوم سمكة قرش هو التصرّف بشجاعة وعدم الإصابة بالذعر لأن السمكة تهاب حجم وقوة فريستها. كما يجب تجنّب رشق المياه من حولنا ما يحرّض السمكة على الاقتراب أكثر». ليس هذا وحسب، إذ يمكن لَكْم السمكة على أنفها لأن من شأن ضربة مشابهة أن تروّعها، كما الحفاظ على التواصل النظري معها. وإن كان بحوذة (مشروع) الفريسة عصا أو إحدى معدّات الغطس، وجب المسارعة إلى ضرب السمكة في المناطق الحسّاسة. أيضاً، يقول الخبير جورج بورغيس، مدير برنامج ولاية فلوريدا لأبحاث القرش: «إيّاكم والتظاهُر بالموت، خاصة إذا وجدتم أنفسكم بين فكّي القرش الأبيض، وإلّا كان الموت فعلاً المصير المحتّم». هو يدعو إلى المواجهة حتى النهاية بعيداً عن الخوف، لأن القرش، وبعد أن يقضم قضمة استكشافية من الجسد، يعتقد أنه فاز بالمعركة ويبدأ عملية الالتهام بوحشية. وبالقدر نفسه من الأهمية، على من أفلت من فكّي القرش الإسراع إلى الشاطئ لأن الضجيج والدم الناتجين قد يجذبان عشرات لا بل مئات الأسماك الأخرى المتواجدة على مقربة من المعركة.

 

ونصل إلى كيفية تجنّب هجوم سمكة القرش من أصله. فعليكم تفادي السباحة ليلاً لأنكم لن تتمكّنوا من رؤية السمكة في حال كانت متوجّهة نحوكم؛ والابتعاد عن مصبّات الأنهر حيث تتجمّع الأسماك التي تستقطب القرش؛ وتَجنُّب مناطق الصيد التي تجذب القرش بسبب الذبذبات الصادرة عن الأسماك وما يُلقى في المياه من «طعوم» وبقايا أسماك؛ وأخيراً عدم ارتداء الأكسسوارات اللمّاعة والمجوهرات العاكسة للضوء التي تعتبرها سمكة القرش قشور أسماك صغيرة. رعد يعود ليطمئن إلى أن الإنسان ليس هدفاً لأسماك القرش ولا هو ضمن قائمة طعامها لأنها وُجدت قبله بحوالى 400 ألف سنة. «لا تهابوها بل حافظوا عليها لأنها تساهم في حماية النظام الإيكولوجي وتساعد على التخلّص من الأسماك المريضة كونها عدواً طبيعياً لكل ما يمكن أن يدمّر الأنظمة البيئية».

 

نحن السبب

 

حُكي في الأيام الماضية عن دور وزارة الزراعة في هذا الإطار. مصدر وزاري لفت في اتصال مع «نداء الوطن» إلى أن الوزارة تبذل الجهود الممكنة لتطبيق القرار رقم 1/1045 والمتعلّق بالشروط العامة لصيد أسماك القرش، كما القرار رقم 2775 الذي يمنع استخدام الشباك الجارفة. وأشار المصدر إلى مشروع ما زال قيد الدرس في مجلس النواب يُنتظر إقراره من قِبَل الهيئات المختصة في اللجان النيابية. وها هو يستعاض عنه بقرارات صادرة عن الوزير مباشرة لتحديد وتنظيم آلية صيد أسماك القرش. فارتكازاً على تقارير خبراء وزارة الزراعة وغيرهم من المختصّين، تبيّن أن غالبية أسماك القرش على طول الساحل اللبناني هي غير معادية إلّا في حال قام الإنسان بالاعتداء عليها أوّلاً حيث تشعر بالخطر وتبادر بالدفاع عن نفسها.

 

وعن أسباب ظهور تلك الأسماك في الآونة الأخيرة على الشواطئ اللبنانية، أشار المصدر بالإصبع إلى الصيد الجائر. «يقوم الصيادون باستخدام الديناميت والشباك الصغيرة وتكون النتيجة جاروفة تشمل الكثير من الأسماك الصغيرة الحجم التي لا تناسبهم على المستوى التجاري. فيعيدون رميها في البحر على مسافة لا تزيد عن 6 أميال، وهي المسافة التي تنشط فيها السياحة المائية. وأثناء تَنقُّل أسماك القرش من منطقة إلى أخرى بحسب التغيّر المناخي، تلحظ وجود الأسماك تلك أو حتى النفايات العضوية فتقترب لالتهامها». ثم هناك مخالفات صيد أسماك القرش رغم قرار منعه، حيث نراها تُباع علناً في أسواق السمك في المنية وطرابلس وصور والبترون وشكا وغيرها من المناطق تحت اسم «كلب البحر». وزارة الزراعة أعربت عن أسفها حيال تلك الممارسات مشيرة إلى حرصها على إرسال التوجيهات بشكل دوري ومستمر كما على دعوة الأجهزة الأمنية والقضائية إلى التحرّك لوقف هذه الأعمال ومحاسبة المخالفين.

 

استفسرنا وسمعنا ما يدعو للاطمئنان. الانتباه بالنسبة إلى روّاد الشواطئ واجب طبعاً… لكن لا مبرّر في الواقع للهلع.