IMLebanon

شطح.. شهيد المبادئ والمهمات الوطنية

«الذين يشبهوننا ويعيشون حياتنا يخسرون الكثير. وأنا خسرت الكثير..» 27 كانون الأول 2013 خسر الوزير الشهيد محمد شطح حياته من أجل لبنان، فتوقّفت عنده مسيرة شهداء ثورة الأرز التي وُلدت مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل 9 سنوات. أما في تلك الجملة «المفتاح« التي قالها شطح خلال مقابلة له في العام 2010، ففيها يختصر نصف عمره الذي كرّسه لـ «المهام» الوطنية في لبنان، فهو من الذين يعتبرون السياسة «مهام وطنية» لا وظيفة!

عام كامل مرّ على انفجار مقابل «ستاركو» هزّ وسط بيروت صباح يوم جمعة بارد.. قوى 14 آذار تنتظر من التاسعة والنصف صباحا اكتمال عدد المجتمعين في «بيت الوسط» من أجل متابعة تنفيذ مقررات مؤتمر طرابلس السياسية حينها. العدد لم يكتمل. كثر من نواب ووزراء تأخّروا، ربّما هي اجراءات أمنية أم أن الإنفجار هو السبب؟ تفقّدوا بعضهم.. محمد شطح مفقود.

6 شهداء وأكثر من 50 جريحا حصيلة التفجير، والتحقيقات لاتزال مستمرة، كما تواصل المحكمة الدولية استجوابها لشهود سياسيين كان منهم الوزير السابق مروان حمادة، ولا شكّ في أن الترابط بين الجرائم السياسية البحتة في لبنان سيكشف المحرّضين والوسطاء والمنفّذين، لكن للأسف لم يتسنّ لشطح أن يرافق الرئيس سعد الحريري الى لاهاي لمواكبة انطلاق المحكمة في 16 كانون الثاني 2014، كما كان مقرّرا.

لم يكن اختيار شطح عشوائيا، فهو ديبلوماسي مخضرم ودكتور في الإقتصاد، وقد قضى نصف عمره في الولايات المتحدة، هذا فضلا عن سياسته المعادية لنظام الأسد، وجرأته الصريحة التي خاطب بها الرئيس الإيراني حسن روحاني عندما أرسل له رسالة مفتوحة يشرح له فيها الوضع اللبناني متمنيا لو «كانت إيران مستعدّة فعلاً لاعتماد مسار جديد في سياساتها حيال باقي المنطقة، ولا سيما حيال لبنان.«

ومع اغتيال شطح، انتشرت آخر تغريدة له على موقع «تويتر»: «حزب الله يهول ويضغط ليصل الى ما كان النظام السوري قد فرضه لمدة 15 عاما: تخلي الدولة له عن دورها وقرارها السيادي في الامن والسياسة الخارجية.» فما قاله شطح على العلن أشار إليه بكل وضوح في الرسالة التي كتبها الى روحاني حين قال له إنها حقيقة لا جدال فيها أن الحرس الثوري الإيراني يستمر في إقامة علاقة عسكرية استراتيجية مع «حزب الله«.

السياسة أو بالأحرى المهام الوطنية- كما أحبّ أن يسمّيها- شغلت شطح كثيرا. ففي الفترة الأخيرة لم يعد يملك الوقت للإهتمام بالأمور العائلية، فانشغل عن زوجته وولديه، كذلك لم يعد يملك الوقت اللازم لممارسة هواياته خصوصا القراءة، فهو كان يقرأ الكتب الفلسفية والعلمية. فضّل شطح العودة الى لبنان بعد 30 عاما أمضاها في صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة، تلبية لرغبة الرئيس الشهيد رفيق الحريري فكان نائباً لحاكم مصرف لبنان العام 1993، ثم سفيراً للبنان في واشنطن العام 1997 حتى استقال بعد استقالة الحريري العام 1998. لكن الرئيس فؤاد السنيورة أعاده إلى لبنان وزيراً للمال العام 2005 ثم اعتذر عن عدم قبول الوزارة العام 2009 وفضّل أن يكون مستشاراً للرئيس سعد الحريري في السرايا الحكومية.

كان محمد شطح وفيا ومخلصا، مؤمنا بلبنان ومتحاورا مع كل الأفرقاء السياسيين، لم يكن يحب أن يكون محاطا بالمرافقين، فهو بنفسه استبعد مرارا أن يتم اغتياله. لكن للمجرم حسابات مختلفة عن الرجل المثقّف الآدمي، ابن طرابلس، الذي اعتاد أن يعيش متواضعا ولم يغيّر كونه سياسيا من نمط عيشه، لا بل إن ولديه كانا منزعجين من حياة الترف التي عاشتها العائلة في الولايات المتحدة حين كان شطح سفيرا نظرا الى الإستقبالات والخدم والمرافقين والمدارس الخاصة، فنقلهما الوالد الى مدرستهما السابقة.

كان شطح يحبّ أن يرتدي «الجينز» وينزل الى المطعم مع أصدقائه، لكن حياته لم تكن تسمح له بذلك.. السياسة أبعدته أيضا عن السينما، وقلّما كان يملك الوقت لسماع أغنيات أم كلثوم، فكان ذلك يشعره بفراغ كبير. كان شطح يصف نفسه بـ «رجل المهمات» لذا فقد فضّل أن يكون الى جانب الرئيس سعد الحريري من دون أن يمسك بوزارة معيّنة، واضعا خبرته وتاريخه بين يديه.

بحنكة الديبلوماسي وبوطنية خالصة، لعب محمد شطح دورا مهمّا في شقّ الطريق لإيصال قضية «حياد لبنان» الى أروقة الأمم المتحدة، وهو مشروع عمل عليه طويلا، وفي هذا السياق أتت رسالته الى روحاني بمثابة المقدّمة لهذا التحرّك الدولي المرتقب. قُتل محمد شطح قبل بلوغ مشروعه لتحييد لبنان خواتيمه، وقبل أن يتحوّل بالتالي قرارا دوليا يخرج سلاح «حزب الله» من لبنان، هذا ويحاول كثيرون اليوم توجيه أصابع الإتّهام في قضية استشهاد شطح استنادا الى معلومات ومصادر رسمية، في حين أن أي مصدر رسمي لم يصرّح بمعلومات جديدة في إطار التحقيق.. فالبوصلة مع محمد شطح لا تضيع.

ويحيي «تيار المستقبل» والمجلس البلدي لبلدية بيروت الذكرى الأولى لاستشهاد شطح، عند الرابعة من بعد ظهر اليوم، في ميناء الحصن، خلف مبنى «ستاركو« – شارع عدنان الحكيم، على أن يتخلل إحياء الذكرى حفل لإطلاق اسم الشهيد شطح على ساحة موقع الانفجار.

من جهتها، استذكرت الأمانة العامة لقوى 14 آذار في بيان، «الشهيد الوزير محمد شطح رجل الاعتدال والاستقامة والحوار». ودعت «جميع المخلصين إلى الوقوف دقيقة صمت غداً (اليوم) إكراماً لروحه الطاهرة ومن أجل لبنان السيد الحر المستقل».

وأشارت الى أن «الوزير شطح انضم إلى قافلة شهداء 14 آذار بتاريخ 27-12-2013، لأنه عمل بهدوء مدافعاً عن فكرة القضية اللبنانية المرتكزة على العيش المشترك الإسلامي – المسيحي وضرورة تحييد لبنان عن صراعات المنطقة».