تستغربون ربما الكلام على إطالة اللِّحى وحلْق شعر الرؤوس فيما هو أَجدى في هذه الأيام من مخاطبة عقول الرؤوس… بل بات من المفيد اللجوء الى أسلوب «كليلة ودمنة» لابن المقفع لعلنا من خلال الشكل نستطيع كشف المضمون.
ظاهرة إطالة اللّحى، برزت رائجة في القرون الوسطى حين راح عدد من المهووسين يُرسلون لِحاهُمْ تشبهاً بالفلاسفة، وفي اعتقادهم أن اللحية هي التي تصنع الفيلسوف، مثلما راجت ظاهرة ادِّعاء النبوّة بعد غياب النبي على ألسنة عدد من الأنبياء الكذبة.
وظاهرة إطالة اللِّحى راح يتلقَّفها بالعدوى أهل السياسة عندنا، فيما كانت تغزو وجوه الفنانين والممثلين والمطربين ومقدمي البرامج التلفزيونية، بما يشوّه المظهر الحسن ويمسح الصورة الجميلة عن أهلها من خلال الشاشات، حتى إِنّ هناك من انتُخب ملك جمال للرجال، فإذا هو اليوم في رأسه الحليق الشعر وإرسال لحيته الكثيفة، مهيَّأٌ للفوز في أي مباراة لملوك البشاعة.
ولعلّ في تغيير الشكل الطبيعي نوعاً من التنكرية التي يلجأ إليها غالباً أصحاب العيوب والعاهات والشبهات، حتى إن الشيخ أحمد الأسير لو لم تواكب تحركاته استخبارات الأمن العام، لكان تمكن بواسطة تغيير الشكل من النفاذ المأمون من أمام عيون الأمن العام الساهرة في المطار، هذا فضلاً عن الفارق الجمالي بين ما كان عليه الأسير الملتحي قبل تغيير الشكل، وما أضحى عليه من بعده.
وفي علم النفس، أنّ من يحرص على إدخال تعديلات بارزة أو نافرة على شكله الطبيعي، هو من يشكو عقدة نقص في شخصيته الطبيعية، فيعمل على إخفائها من خلال شخصيته اللاَّطبيعية.
وهذا يعرف بازدواجية الشخصية حيث يشعر المرء معها، بأنه شخصان أو شخصيتان تتنازعان فيما بينهما لتسيطر إحداهما على الأخرى أو لتُلغي كلٌّ منهما أختها.
وظاهرة إرسال اللحى هذه، إنْ هي اختصَّت بتمييز رجال الدين، إلا أنها على مستوى المدنيين تشكل حالة من التخلّف تعود الى عهد المغاور وبداوة الصحراء، إذْ عندما أراد القيصر بطرس الأكبر أن يحقق التحديث في روسيا، أمر بحلق لحى النبلاء، مثلما أمر أتاتورك بخلع الطربوش والسراويل المنفوخة عندما أراد أن ينقل تركيا الى عالم الحداثة.
إذاً، عودوا الى أشكالكم الطبيعية أيها الشاخصون على منابر الفن والطرب وبرامج الشاشات.
واحلقوا لحاكم أيها السياسيون ولا تستروا عاهاتكم بالتنكر… لأن المعاصي التي بُليتم بها، أكبر من أن تسترها لحيةٌ من الشعر.