IMLebanon

شو وقفت ع سقراط بأربعة أيوب

 

وجعني قلبي بالأمس على النائب السابق وليد جنبلاط وهو يتفجّع على اختفاء مطعم سقراط «الأثري» بعدما أزيل البناء الصغير الذي شغله المحل حتى أصبح جزءاً من ذاكرة شارع بلسّ وذاكرة بيروت، وجعني قلبي عندما لم يجد صور للمكان المهدوم على غوغل «المجرمون أخفوا جريمتهم»، «يا بيك» كأنّك لست متنبهاً على معالم بيروتيّة كثيرة زالت واندثرت، الوضع في البلاد أخطر بكثير من مجرد التفجّع على محل قديم، وليس بالضرورة أن يكون كلّ قديم أثري، ولكن ما رأيك «يا بيك» بأربعة أيوب، بات صعباً على اللبنانيين ممارسة طقسٍ ديني مسيحي ـ إسلامي، ما الذي تبقّى من شاطىء الرملة البيضا، ومن بقيّة امتداد تنفس بيروت المدينة على الكورنيش البحري، نحن نعيش في سجن الأسلاك الشائكة التي تسرق واجهة المدينة ومتنفس ناسها، حتى شاطىء بيروت التاريخي لأهلها سرقوه، شو وقفت ع سقراط شارع بلسّ.. فات أوان الحسرة يا بيك، ونحن لا نملك صبر نبي الله أيوب.

 

حال لبنان اليوم هو حال نبي الله أيوب عليه السلام وكلّ البلاءات التي ذاقها، منذ نزل به البلاء الأول فكان أول ما نزل عليه ضياع ماله وجفاف أرضه؛ حيث احترق الزرع وماتت الأنعام، ولم يبق لأيوب شيء يلوذ به ويحتمي فيه غير إعانة الله له، فصبر واحتسب، ولسان حاله يقول في إيمان ويقين: عارية الله قد استردها، وديعة كانت عندنا فأخذها، نَعِمْنَا بها دهرًا، فالحمد لله على ما أنعم، وَسَلَبنا إياها اليوم، فله الحمد معطيًا وسالبًا، راضيـًا وساخطًا، نافعًا وضارًا، هو مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء. ثم يخرّ أيوب ساجدًا لله رب العالمين.. ونزل الابتلاء الثاني، فمات أولاده، فحمد اللَّه أيضًا وخَرّ ساجدًا لله، ثم نزل الابتلاء الثالث بأيوب – فاعتلّت صحته، وذهبت عافيته، وأنهكه المرض، لكنه على الرغم من ذلك ما ازداد إلا إيمانًا، وكلما ازداد عليه المرض؛ ازداد شكره لله.

 

حتى المعنى الرمزي والديني العظيم للصّبر فقد معناه وأصبحت المناسبة «شعبيّة» تم تفريغ كلّ شيء من معناه الأصلي، تماماً مثلما يتم تفريغ لبنان من أسباب قدرته على الإستمرار، لقد سلبوا المواطن كلّ شيء حان الآن وقت سلبه ما تبقّى من ماله، وقد تكون حالة اللامبالاة التي يبديها اللبنانيّون وبإصرار هي أسوأ مشهد في هذه المرحلة، حتى الآن «لم نشاهد صدور أي ردّ فعل عنهم»، حضرة الشعب اللبناني أنت مدعوّ بجناحيك المسيحي والمسلم للاستفادة من كلّ لحظة تفتح باباً بينك وبين الله، مُدّ يديك، نادي كما نادى أيوب ربّه: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ۞ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِين} [الأنبياء: 83 ـ 84]، وقال السدي: تساقط لحم أيوب حتى لم يبق إلا العصب والعظام، فكانت امرأته تقوم عليه وتأتيه بالزاد يكون فيه، فقالت له امرأته لما طال وجعه: يا أيوب «ادع الله فيشفيك»، فجعل لا يدعو، حتى مر به نفر من بني إسرائيل، فقال بعضهم لبعض: ما أصابه ما أصابه إلا بذنب عظيم أصابه، فعند ذلك قال: «رب أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين».

 

يقيني، أن اللبنانيين شعب مؤمن، مهما اختلفت أديانهم وطوائفهم، نحن شعب مؤمن، وعلينا أن نعترف أنّ الحال التي بلغها البلد لا حلّ لها إلا الدعاء والدعاء فقط، «اللهمّ، إنّا مسّنا ومسّ وطننا الضرّ وأنت أرحم الراحمين».