هل تنجح سفيرتا أميركا وفرنسا فيما فشل فيه وزيرا خارجيّة دولتيهما في إقناع السعودية بمساعدة لبنان؟!
وسط حالة الغرق التامّ التي تعيشها البلاد لا حلّ ينقذ لبنان سوى استدعاء وصاية عليه، وصاية أوروبيّة لتعلّمه ممارسة الديموقراطيّة، وتنقله من طور الهمجيّة السياسيّة إلى التحضّر، وتعلمّه معنى الشفافيّة ونظافة الكفّ في تنفيذ المشاريع العامّة وإرساء العطاءات وتنقذه من عقليّة السمسرة لتنقله إلى عقليّة النّزاهة، وإلا سنجد أنفسنا بعد أن ينفض العالم يديْه من مزبلة السياسة في لبنان أمام الوصاية الإيرانيّة تحكمنا بالنّعال والجلد والشّنق واستمرار انقطاع الكهرباء أيضاً!!
ذكّرتني وفاة أحمد جبريل في مشفى سوري بالأمس بكلّ ما دفعناه في لبنان.. حتى القضية الفلسطينيّة قامت سوريا بتصفيتها قبل إسرائيل بعقود، تذكّرت حرب الجبل التي كان تنظيم أحمد جبريل رأس حربتها في تدمير مدن وقرى الجبل، هذا هو المشهد اللبناني منذ سبعينات القرن الماضي على الأقل، منذ العام 1973 والبلد في حالة انقسام ولا يزال، تتغيّر المعطيات والأسباب ويبقى الانقسام وكلّما اشتدت الأزمات «بلطج» الزعماء على بعضهم البعض ولجأوا إلى فريق غريب يتأرجح غالباً بين محورين يتنازعان المشهد اللبناني المنقسم، منذ أوّل رئيس جمهوريّة بعد الاستقلال والرئاسة الأولى وجعة راس، منذ بشارة الخوري، لا يمرّ عهد إلا ورئاساته الثلاث تغرق البلاد في بحور من الاضطراب، تارة يلجأون إلى مصر وجمال عبد الناصر، وتارة يلجأون إلى ياسر عرفات ويستقوون بالسلاح الفلسطيني، وتارة ثالثة يلجأون إلى السوري ويظلّون جيئة ورواحاً على طريق دمشق الدولي، وهذه فعلها المسيحيّون قبل المسلمون في حرب السنتيْن، وبعد انتهاء الحرب كلّما حرد ركن من الترويكا سارع إلى سوريا «ليفتن» على الباقين، كلّ رئاسة تستقوي على الأخرى بالسوري ليحكم بينهم، بشفافيّة نصارح أنفسنا يبدو اننا فعلاً شعب قاصر عاجز عن حكم نفسه، لا يعرف من الديموقراطيّة إلا التعطيل وفركشة سير الحياة السياسيّة والزكزكة والحرتقة من دون أدنى ممارسة حقيقيّة للحكم، «حكم ولّادي» بعقليّة صبيانيّة، على الأقل هذه الحقيقة هي ترجمة فعليّة لمشهد «رامبو القضاء» الذي تابعناه قبل يومين، وكأننا أمام تنفيذ «عمليّة انتحاريّة»!!
أفضل من اختصر واقع لبنان وبشفافية وصدق هو الرئيس الرّاحل الياس الهراوي منذ واحد وثلاثين عاماً ـ في معرض تبريره ضرورة بقاء الوصاية السوريّة ـ عندما قال: «نحن لا نزال شعب قاصر لا نستطيع حكم أنفسنا» ولا نزال، والسّاسة لا يزالون هم أنفسهم غسلوا أيديهم من الدّماء ودخلوا جنّة الحكم والمليارات، ولا يزالون يتحكّمون بمصائر قطعاننا الخاملة التي فقدت حتّى المرعى والكلأ وطاعون كورونا يفتك بها «غنمة غنمة»!!
محزن كثيراً أن لبنان ملقى تحت أرجل طاولات دول ترفع أنفها رافضة مساعدته وهو يلفظ أنفاسه فيما النّاظرون إلى احتضاره مجموعة لئام كلّهم قامروا به على موائد مصالحهم، والكلّ ألقوا به على قارعة المنطقة بعدما استنزفوا دماء شعبه لحساب قضاياهم!!