IMLebanon

شيا وغريو في الرياض: قفلٌ يبحث عن مفتاح

 

 

المعوَّل عليه انتظار النتائج الفعلية للزيارة المنسّقة للسفيرتين الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو للرياض في 8 تموز، وما إفضت إليه حيال المأزق الحكومي وتفادي الانهيار، وأيّ موقف سعودي تعودان به من المحادثات التي أجرتاها هناك؟

 

لم يتعدَّ البيان المقتضب البارحة للسفيرتين الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو، في ختام محادثاتهما مع المسؤولين السعوديين في الرياض، تكرار موقفي حكومتيهما من الأزمة الحكومية اللبنانية، المقترنة بالانهيارين الاقتصادي والاجتماعي، من غير أيّ إضافة من شأنها تفسير مغزى الزيارة المشتركة تلك ونتائجها، النادرة الحصول.

 

غالباً ما عمدت الدبلوماسيتان الأميركية والفرنسية، كل على حدة، الى الاضطلاع بدور مطابق في أزمات تخبّط فيها لبنان في السنوات الأخيرة، بسبب تعذّر انتخاب رئيس للجمهورية أو استعصاء تأليف حكومة. كان يحدث أن يذهب أي من سفيري العاصمتين العظميين، أو كلاهما، الى السعودية وإيران، قطبي الجذب السلبي في الأزمة اللبنانية، طلباً للمساعدة على إخراجها من أدران التعقيد. بسبب صلة الرياض وطهران بفريقي التسعير المذهبي السنّي ــــ الشيعي، وهما تيّار المستقبل وحزب الله، اقتضى تحرّك الديلوماسيّتين الأميركية والفرنسية على نحو كذاك. أما مشكلة اليوم فمختلفة. طرفا الثنائي السنّي ــــ الشيعي حليفان وطيدان، كلاهما متمسك بالآخر الى جانبه، دونما أن يُعرف فعلاً الى مَن يُعزى التعطيل والعطب.

السابقة غير المطابقة لما يجري الآن، وهي أبعد بكثير من تأليف حكومة، كانت الدور الذي اضطلع به عام 2005 السفيران الأميركي جيفري فيلتمان والفرنسي برنار إيميه، في الإشراف المباشر على قلب موازين القوى الداخلية في البلاد، على إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وفرض موعد انتخابات نيابية قلبت رأساً على عقب الغالبية من حلفاء سوريا الى أعدائها، ومن ثمّ محاولة محاصرة حزب الله بعد مغادرة الجيش السوري لبنان. ذاك التنسيق الذي استمر حتى عشيّة 7 أيار 2008، أتاح وضع اللعبة السياسية الداخلية بين يدَي السفيرين، وأحال الزعماء والسياسيين اللبنانيين، ولا سيّما اللصيقين بهما، ألعوبة وفي الوقت نفسه مصادر أخبار ومعلومات مضلّلة. انقضت المرحلة تلك يوم حدث 7 أيار.

إلى الآن، على الأقل، على أهمية دورَي السفيرتين انسجاماً مع الاجتماع الثلاثي في إيطاليا في 29 حزيران، وضمّ الى وزيري خارجية بلدَيهما أنطوني بلينكن وجان إيف لو دريان نظيرهما السعودي فيصل بن فرحان، إلا أن شيا وغريو، وكذلك حكومتيهما، وإن كانتا تملكان القفل، ينقصهما المفتاح الذي يدور فيه. وهو الرياض، الشريك الجديد في هذا الثلاثي.

في ظاهر ما يحدث، خلافاً لواشنطن وباريس المهتمتين بتفاوت، تتصرّف المملكة على أنها غير معنية بما يتوالى فصولاً في لبنان، دستورياً واقتصادياً ونقدياً واجتماعياً. لا موقف لها من تأليف الحكومة قبل صدور مراسيمها، ولا قرار لها قبل التأكد من موقع حزب الله في المرحلة المقبلة، ولن تمدّ لبنان بأيّ مساعدة ما لم تشعر بأن ثمة تغييراً حقيقياً يحصل فيه.

 

شيا وغريو تستعيران دورَيْ فيلتمان وإيميه عام 2005

 

 

لأن الأمر كذلك، فإن الأيام التالية لعودة السفيرتين الى بيروت من شأنها أن تفسح في المجال أمام الخوض في خيارات جديدة، وإن بدا بعضها مؤكداً تارة أو غير محسوم وملتبساً طوراً.

منذ عودته من الخارج ومقابلته رئيس البرلمان نبيه برّي في 5 تموز، لا حديث في أوساط الرئيس المكلف سعد الحريري سوى التأرجح ما بين اعتذاره الذي له مبرّروه فيها، أو عدم اعتذاره الذي لا يتحمّس له من هؤلاء أيضاً. ورغم ما ينسب إليه أنه قاطع في قرار الاعتذار، لكنه يحتفظ لنفسه بتوقيته، إلا أن المؤكد أيضاً أن لا اعتذار قبل اجتياز الحريري ممرّين ملزمين:

أولهما، زيارة برّي ــــ يرجّح البعض حصولها منتصف الأسبوع المقبل ــــ ومناقشة الأمر معه نهائياً لمرة أخيرة ينجم عنها الاعتذار المصمّم عليه الرئيس المكلف. لا اعتذار قبل الاجتماع برئيس المجلس، ولا اعتذار لا يقتنع مضيفه بدوافعه.

ثانيهما، اطّلاعه من السفيرتين الأميركية والفرنسية ــــ أو إحداهما ــــ على ما عادتا به من الرياض حيال الموقف منه، أكثر منه بإزاء ما تريده أو لا تريده من تأليف الحكومة.

بعض المعطيات المرتبطة بالمهمة الأخيرة للسفيرتين الأميركية والفرنسية في الرياض، يتحدّث عن أنهما حملتا معهما أحد خيارَين كي يفاضل المسؤولون السعوديون ما بين أحدهما، على أنهم شركاء فعليّون لواشنطن وباريس في منع الانهيار الشامل لهذا البلد، ما يتسبّب للبنانيين بفقدانه تماماً، لكنه مصدر إقلاق مهم أيضاً للعواصم الثلاث تلك المؤثرة فيه والمتأثرة به، أضف أن لديهما نفوذاً تقليدياً تاريخياً عميقاً في علاقة كل منهما بالدولة اللبنانية، كما بالأفرقاء المحليين:

أول الخيارَين المحمولين الى الرياض يقترح ــــ في حال تأكد أن ثمّة إصراراً سعودياً لا عودة عنه هو رفض ترئيس الحريري الحكومة ــــ أن يصير الى طرح بضعة أسماء تخلفه، من غير أن يُعدّ أصحابها بالضرورة مرشحي المملكة، بيد أنها تدعمهم ولا يزعجونها، ويتمكّن الأميركيون والفرنسيون من تسويق أحدهم في الداخل، وخصوصاً لدى رئيس الجمهورية ميشال عون وحزبه ولدى حزب الله. تجاوب الرياض مع الخيار الأول، بمرشحين غير مستفزّين، يتيح للأميركيين والفرنسيين أيضاً مفاتحتها والتمنّي عليها دعم لبنان مالياً، وإعادة إنعاش اقتصاده وانتشال نقده الوطني من القعر.

ثاني الخيارين في حال تشبّث السعوديين برفض ترئيس الحريري، كما برفض اقتراح أي اسم بديل منه، أن يصير على الأقل الى توفير مقوّمات صمود البلد الآيل الى السقوط. يقضي ذلك بتقديم مساعدات الى اللبنانيين مباشرة، كمستفيدين فعليين، من خلال حكومة تصريف الأعمال التي تبقى إذذاك الخيار الوحيد الباقي في ظلّ تعذّر التوصل الى تأليف حكومة جديدة. يقصد بالمساعدات هذه، إحداها التي تتيح للمجتمع مواجهة مشكلاته المعيشية كتمويل البطاقة التموينية. بيد أن الشقّ الأهم في هذا الدعم يكون للجيش وقوى الأمن اللبنانية على أنهما الرهان الوحيد من أجل المحافظة على الحد الأدنى من الاستقرار الأمني الداخلي، تحت وطأة تهاوي كل المصادر الأخرى المتبقية للاستقرار، السياسي والاجتماعي والاقتصادي والنقدي.