Site icon IMLebanon

إشكالية مزارع شبعا بين لبنان وسوريا وإسرائيل

 

عرضنا في حلقة أولى («نداء الوطن» 29/2/2024) لإشكالية مزارع شبعا في كل مسعى فرنسي أو أميركي لإيجاد حلّ للصراع على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية في جنوب لبنان.

 

في هذا القسم نحاول أن نلقي الأضواء على معضلة المزارع من جوانبها الجغرافية والتاريخية والجيو- سياسية في ضوء القوانين الدولية التي ترعى الحدود بين الدول المتجاورة وقرارات مجلس الأمن الدولي بخصوص لبنان والقضية الفلسطينية، مع التركيز على مسألة محورية تتعلق بموقف سوريا من حدودها مع لبنان وترسيم هذه الحدود على الأرض وتبيانها في الخرائط ومدى تبنّيها من المؤسسات الرسمية اللبنانية ومن ثم ابلاغها إلى المرجعيّات الدولية وفي مقدمها الأمم المتحدة والجامعة العربية.

 

قصة الخريطة للعام 1948 ونتائجها الكارثية

 

1 – في كل مقاربة لموضوع مزارع شبعا ومحيطها لا بدّ من العودة إلى خريطة العام 1948 التي أجرت تعديلاً أساسياً جوهرياً في حدود لبنان عند منطقة المثلث (لبنان – سوريا – فلسطين)، وفي هذه الخريطة جرى نقل خط الحدود بين لبنان وسوريا من جبل الشيخ 2814/ جبل الزلقا/ جبل النشبه المقبلة (الذئبة) جبل الصيرة وصولاً إلى المثلث وعليه دائماً الرقم 39.

 

وهذا الرقم هو خلاصة عمل لجنة بوليه – نيو كومب التي رسمت حدود لبنان وفلسطين من المتوسط إلى المثلث وهي بطول 78 كلم، حيث اعتمدت عملية الترسيم جعل وحدة القياس على طول الحدود بمدى كيلومترين لكل علامة على الأرض للترسيم من رأس الناقورة إلى المثلث، أي 78 كلم مقسومة على كيلومترين، ما يساوي 78 ÷ 2 = 39.

 

إنّ خريطة لبنان للسياحة والطرقات الشهيرة المعروفة بخريطة 1948 هي خريطة نشرتها جمعيّة تنشيط السياحة والاصطياف في بيروت وطبعها المكتب الوطني في باريس institut géographique national Paris 1948، وقد أعيد رسمها وتجديدها بواسطة مديرية الشؤون الجغرافية للعام 1966. والمهمّ والخطير في هذا الأمر أنّ إعادة رسم الخريطة تمّت بعد صدور القانون رقم 42/ 65 تاريخ 6 شباط 1965 الذي أخضع طبع خرائط الأراضي اللبنانية إلى إذن مسبق من قيادة الجيش، كما لا يجوز عرض أي خرائط ما لم تكن حازت على موافقة مسبقة من قيادة الجيش.

 

2 – هذا يعني بكل وضوح أنّ خريطة 1948 هي خريطة قانونية وهي الخريطة الرسمية للجمهورية اللبنانية لأنها صادرة عن مديرية الشؤون الجغرافية في قيادة الجيش اللبناني، بالاستناد إلى القانون المذكور أعلاه 42/ 65 وقد جرى إبلاغها إلى الأمم المتحدة كخريطة رسمية للجمهورية اللبنانية، مع أنّ حدود لبنان في منطقة المثلث في هذه الخريطة تقع على جبل الروس- جبل السماق وصولاً إلى الزهراني وليس على خط الزلقا النشبه المقبلة- الصيرة- المثلث، والذي يزيد ارتفاعه بنحو 600 متر عن الخط الآخر الذي اعتمده السوريون والذي يجعل مزارع شبعا ومعظم منطقة المزارع داخل الحدود السورية والسيادة السورية وليس داخل الحدود اللبنانية والسيادة اللبنانية.

 

هناك عدّة أسباب ساعدت على/ وساهمت بتحقيق هذا التحوّل في الأذهان وعلى الخرائط منها على سبيل المثال لا الحصر:

 

* موقف النظام السوري بعد جلاء الجيوش الأجنبية عن سوريا وخاصة بمفهوم البعث الرافض لتواجد دول داخل بلاد الشام باستثناء الدولة السورية والباقي «صناعة استعمارية»!

 

* الشروع في قضم منطقة المثلث وهي منطقة تعود الملكيّة فيها إلى الدولة اللبنانية بشكل عام.

 

* عدم جدوى الاجتماعات السورية اللبنانية حول مشاكل الاستيلاء على أراضي المثلث لامتناع السوريين عن الالتزام بأي اتفاق يتم التوصل إليه بين الجانبين، مع استثناء وحيد له مغزاه هو سعي السوريين للاستيلاء على بلدة الخرويعة التي صارت تعرف بالمجيدية والعائدة لوزير الدفاع الوزير مجيد ارسلان. فتجنبها السوريون واستداروا من حولها ولم يدخلوها في الخريطة السورية.

 

* إنعكاسات حرب 1948 بين العرب واسرائيل على وضعية المثلث إذ إنّ الجيش السوري اجتاح منطقة المثلث وبقيَ فيها بعد توقيع اتفاق الهدنة عام 1949 بين لبنان واسرائيل في (23/3/1949) وبين سوريا وإسرائيل في (20/7/1949)، وجاءت خريطة الهدنة عند المثلث مبنيّة على خريطة العام 1948 وهي الخريطة التي لا تزال معتمدة لدى السوريين ولدى المؤسسات الدولية ومنها الأمم المتحدة، وهي خريطة تضع مزارع شبعا داخل الاراضي السورية.

 

باختصار لقد عكس ترسيم الحدود في المثلث ميزان القوة المختل في المنطقة لمصلحة سوريا في ازاء لبنان، الأمر الذي أدّى إلى وضع مزارع شبعا داخل الأراضي السورية عام 1948. كما تمّ التأكيد عليها في اتفاقية الهدنة عام 1949 وجرى تبنيها رسمياً عام 1962 وجرت شرعنتها لبنانياً عام 1966 بتجديد خريطة 1948 بواسطة مديرية االشؤون الجغرافية في قيادة الجيش اللبناني.

 

3 – مشروع اللواء جميل السيِّد للحلّ الوسط: لقد اجتهدت شخصيات لبنانية سياسية وأمنية للوصول إلى حلّ يحفظ في الآن عينه مصالح لبنان وسوريا، فكان مشروع اللواء جميل السيّد لجعل الحدود في منطقة المثلث على الخط الوسط النصفي لوادي العسل، وما هو شرقه لسوريا، وما هو غربه وفيه مزارع شبعا يكون للبنان. وأذكر كيف ان اللواء السيّد دعاني شخصياً إلى مديرية الأمن العام في بيروت كخبير في موضوع الحدود الدولية وسألني رأيي في اقتراحه لوضع الحدود على خط الوسط لوادي العسل: من مزارع شبعا شمالاً إلى خط الحدود عند الدان جنوباً. وكان جوابي للواء السيّد واضحاً وعلمياً وفيه أنّ اعتماد هذا الخط الوسطي داخل وادي العسل قد يساعد عملياً على خلق توازن سياسي بين لبنان وسوريا في منطقة المثلث: شرق الخط لسوريا وغرب الخط للبنان هذا في السياسة.

 

أمّا على قاعدة الأسس التي تحدّد ترسيم الحدود بين دولتين تفصل بينهما سلسلة جبليّة فإنّ الحدود تكون حتماً على خط القمم للسلسلة الجبلية، وهذا يعني كما أوضحت للواء السيّد أن يكون خط الحدود بين لبنان وسوريا من قمم زمريّة شمالاً وصولاً إلى قمّة جبل الشيخ جنوباً على علو 2814 متراً نزولاً إلى خط الزلقا ثم جبل النشبه المقبلة، ثم جبل الصيره ثم زاوية المثلث، وهذا الخط من الشمال إلى الجنوب يمثل قمم أعالي السلسلة الجبلية وقد اعتمد اللواء السيّد خريطة وادي العسل وأطلقها خريطة جديدة للجمهورية اللبنانية، وهي التي نراها في خرائطنا الحالية ولكنها خريطة لم تحظ بموافقة الأمم المتحدة عليها.

 

ما هو المطلوب لشرعنة الخريطة اللبنانية عند مزارع شبعا؟

 

المطلوب أولاً أن تقوم الحكومتان اللبنانية والسورية بصياغة نصوص قانونية تسمح بتعديل الحدود في المثلث باتفاق بين البلدين.

 

المطلوب ثانياً أن تقوم لجنة فنيّة من البلدين بتعيين خط الحدود المتفق عليه بين البلدين وتأكيده على خريطة البلدين.

 

المطلوب ثالثاً أن تقدّم اللجنة الفنية محضراً لحكومتي البلدين يتم التوقيع عليه وفيه تعيين للحدود بين البلدين.

 

المطلوب رابعاً أن ترسل الحكومتان نصّ الاتفاق مع خريطة تبين بدقة ووضوح ما تمّ الاتفاق عليه بين البلدين.

 

المطلوب خامساً دعوة مجلس الأمن إلى الانعقاد واتخاذ القرارات في ضوء الواقع الجديد مما يعني ضرورة اتخاذ قرارات جديدة عن مجلس الأمن، إذ إن التعديل في الحدود ينقل حكماً أراضي من تحت سلطة «الأندوف» 1974 إلى تحت سلطة «اليونيفيل» 1978.

 

في الخلاصة، إشكالية مزارع شبعا صعبة ومعقّدة وتشارك فيها القوى السياسية والأيديولوجية وهي مسألة لا يمكن حلّها بالتمنيات والتصريحات. فالرئيس حافظ الأسد اعترف بأنّ مزارع شبعا لبنانية (13/3/2001) خلال وجوده في باريس. ومندوب سوريا في الأمم المتحدة اعتبر أنّ إسرائيل لم تستكمل انسحابها من لبنان بما فيها مزارع شبعا (31/11/2000)، على أهميتها هذه التصريحات لا قيمة لها من وجهة القانون الدولي إذ لم تترجم باتفاقية لبنانية سورية حول تعديل الحدود في المثلث بين البلدين. إنّ مزارع شبعا ومحيطها التي كانت لبنانية يمكن أن تعود من جديد إلى أحضان وطنها الأم الطبيعي بموجب اتفاقية بين لبنان وسوريا تبلّغ لمجلس الأمن ويتّخذ المجلس قراراً بشرعنة الخريطة اللبنانية الجديدة، التي تجعل بل تعيد مزارع شبعا إلى خريطة وطنها وعندها تتوقف الثرثرة أمام جديّة التاريخ كما كان يقول هيغل!