في الوقت الذي يقوم فيه “حزب الله” من خلال الجبهة الجنوبية التي تدور فيها المواجهات العسكرية مع العدو الاسرائيلي منذ 8 تشرين الأول الفائت، بإسناد حرب غزّة، على ما ذكر الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير مشدّداً على أنّ الهدف الأول اليوم هو وقف العدوان على غزّة، وأنّ الجبهة اللبنانية مفتوحة على كلّ الاحتمالات… وفي ظلّ دفاع الحزب عن الأراضي اللبنانية المحتلّة في جنوب لبنان، يحلو لبعض السياسيين الحديث عن أنّ “مزارع شبعا ليست لبنانية، وأنّه جرى وضع خرائط جديدة”. فما هي حقيقة هذا الأمر الذي من شأنه نسف بعض القرارات الدولية التي تنصّ على مطالبة القوّات الإسرائيلية بالانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلّة، ولا سيما من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء الشمالي من بلدة الغجر؟!
تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة انّ مزارع شبعا تشكّل اليوم أحد أهمّ عناصر الصراع بين لبنان و “اسرائيل”.. غير أنّها منطقة تابعة عقارياً لأراضي الجمهورية اللبنانية. وتشكّل المزارع والبلدة نطاقاً واحداً يسمّى “خراج مزارع شبعا”. فضلاً عن أنّ المنطقة تشمل أيضاً بلدة النخيلة وبلدة خربة الدوير اللبنانيتين المذكورتين في جميع القرارات الإدارية والتنظيمية للبنان، منذ إعلان دولة لبنان الكبير من قبل السلطات الفرنسية وحتى يومنا هذا. ومن غير المنطقي بالمبدأ أن تكون قرية تدعى “شبعا” داخل الأراضي اللبنانية، والمزارع التابعة لها في دولة أخرى.
وتضمّ مزارع شبعا الواقعة جنوبي “الخط الأزرق” الذي هو “خط انسحاب”، وليس خط حدود لبنان الدولية، 13 مزرعة هي: مراح الملول، برختا، كفر دورة، بيت البراق، الربعة، المشهد، رمثا، قفوة، زبدين، خلّة غزالة، القرن، فشكول والمعز.
وأشارت الى أنّه بحسب اتفاقية ترسيم الحدود البريّة بين لبنان وفلسطين أي اتفاقية بوليه-نيوكومب في العام 1923، فإنّ المزارع تقع داخل الحدود اللبنانية. وتقول انّ المنطقة الوحيدة التي جرى ترسيم الحدود فيها بين لبنان وسوريا هي منطقة مزارع شبعا، ومنذ ثلاثينات القرن الماضي وهي جزء لا يتجزّأ من السيادة اللبنانية. فاتفاقية الحدود بين لبنان وسوريا الموقّعة في العام 1946، بين شبعا (في لبنان) ومغر شبعا (في سوريا) التي وضعتها لجنة عقارية لبنانية-سورية برئاسة القاضيين العقاريين: اللبناني رفيق الغزّاوي والسوري عدنان الخطيب، تضع المزارع ضمن الحدود اللبنانية. وقد رُسمت الحدود على خريطة 5000/1، ونقلت العلامات على الأرض. وهذه الحدود تمتد من شمال جسر وادي العسل إلى شمال بلدة النخيلة اللبنانية.
وصحيح أنّ النطاق الجغرافي لمزارع شبعا غير محدّد بدقّة، ولكن يمكن القول، بحسب المعلومات، أنّها تمتدّ على نحو 24 كيلومتراً في الطول، ويتراوح عرضها بين 13 و14 كلم. وتعلو 1200 متر عن سطح البحر مثل مزرعة برختا، وصولاً الى مزرعة المعز التي تنخفض لتوازي مستوى سطح البحر. وتبدأ تحديداً من النقطة الفاصلة للخط الفرنسي لعام 1920 الواقع جنوب قرية المجيدية مباشرة، ومن هناك تمتد نحو الجنوب الشرقي على طول حدود العام 1946 حتى مغر شبعا، الى أن تصل الى محور وادي العسل. وتتبع مسار الوادي نحو الشمال الشرقي الى أن تصل الى قمّة الجبل الواقع شمال قرية مزرعة برعشيت السابقة وتتصل بخط العام 1920. وتشرف المزارع على جبل عامل والجليل الأعلى والجزء الجنوبي من سلسلة جبال لبنان الغربية وهضبة الجولان وسهول البقاع وحوران والحولة.
وعن أسباب الخلاف على هذه المزارع اليوم، ولماذا تشكّل عنصراً إضافياً للصراع بين لبنان و “إسرائيل”، أوضحت الأوساط نفسها، بأن احتلال القوّات الإسرائيلية لمزارع شبعا وتلال كفرشوبا قد بدأ بشكل تدريجي في 20 حزيران من العام 1967، أي بعد انتهاء الحرب. وبدأت تتوسّع في العام 1985، فاحتلّت مناطق أقامها الأهالي على حدود المزارع التي احتلّتها، واستمرّ قضمها للأراضي اللبنانية حتى العام 1989، عندما ضمّت مزرعة بسطرة المحرّرة حالياً اليها. ووضعت مراصد عسكرية لها في هذه المزارع، وأبرزها مرصد الفوار الذي يُعدّ من أضخم المراصد في منطقة الشرق الأوسط.
وترى أنّ تغيّر المعالم الجغرافية، أو وجود خرائط متناقضة، على مرّ العقود الماضية، لا ينفيان أحقيّة لبنان على هذه المزارع التي هي امتداد جغرافي طبيعي لبلدة شبعا. ولكن عليه اليوم أن يؤكّد مجدّداً على لبنانيتها في حال مضى في مسألة “تحديد” أو “إظهار” الحدود الجنوبية، سيما أنّ جميع الخرائط مودعة لدى الأمم المتحدة..
وفي ما يتعلّق بالقرارات الدولية، فقد نصّ كلّ من القرارين 425 و1701، على “انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلّة، ولا سيما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي من بلدة الغجر”. أمّا “إسرائيل” فقد ادّعت أنّ القرار الأممي 425 لا يشمل الانسحاب من مزارع شبعا التي هي ليست أراضي لبنانية، مشيرة الى أنّ المزارع كانت تحت سيطرة الدولة السورية عندما احتلّتها في حرب الأيام الستة في العام 1967. وقد أكّدت سوريا آنذاك، على لسان النائب السابق للرئيس السوري فاروق الشرع في أيّار من العام 2000 للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، آنذاك، أنّ بلاده تدعم ما يقوله لبنان عن أنّ “مزارع شبعا لبنانية”. وفي كانون الثاني من العام 2006 أكّد الرئيس السوري بشّار الأسد أنّ المزارع لبنانية، إلّا أنّه شدّد على أنّ ترسيم الحدود يكون بعد انسحاب القوّات الإسرائيلية من هذه المنطقة”. غير أنّ القرار 1701 عاد وجدّد تأكيده على ضرورة “انسحاب القوّات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية المحتلّة”، ما يعني أنّها لم تنسحب منها.
وكشفت الأوساط عينها أنّ مراكز أبحاث لبنانية، قد أظهرت وثائق ومستندات تعود الى عامي 1937 و1939، تُثبت أنّ سكّان مزارع شبعا كانوا يدفعون الضرائب الى الدولة اللبنانية. كما أنّ باحثاً إسرائيلياً في “الجامعة العبرية” في القدس، قد تمكّن من الوصول الى مستندات فرنسية من الأرشيف تؤكد “لبنانية مزارع شبعا”.