خلال الساعات المقبلة، يكون الموفد الأميركي آموس هوكشتاين في بيروت، (تزامناً مع وصول سفيرة بلاده ليزا جونسون)، وقد سبقته تسريبات حول الـMenu المقترحة على لبنان في المفاوضات الديبلوماسية الجارية، على هامش الأعمال العسكرية التي يشهدها الجنوب. فهل تكون مزارع شبعا ضمن سلّة التسوية المقترحة أم لا تكون؟
فعلياً، ثمة سباق محموم بين المواجهات الحاصلة بالحديد والنار، وتلك الجارية بالضغط الديبلوماسي، والتي يجريها موفدون غربيون، لكن لا يقرّر فيها إلّا الجانب الأميركي. البقية أشبه بمرسلين يعملون إمّا على جسّ النبض أو إجراء الاختبارات اللازمة قبل الانتقال إلى مرحلة التفاوض الجدي، فيما الحسم بيد الإدارة الأميركية. ولهذا تكتسب زيارة هوكشتاين أهمية بالغة لكونها قد تساهم في بلورة هذه المفاوضات العابرة للخصومات الدولية، والتي تنطلق من الواقع المتفجّر على الحدود الجنوبية في لبنان، لتضع كافة النقاط العالقة بين لبنان وإسرائيل على طاولة البحث، والتي تبدأ بإظهار الحدود البرية والانسحاب من المناطق المحتلّة ولا تنتهي بتنفيذ القرار 1701.
يقول «حزب الله» إنّه لا بحث في أي مسألة قبل انتهاء الحرب في غزة. ولكنّ الوقائع تؤكد أنّ النقاش قائم عبر جهات ثالثة تساهم في تمرير الرسائل. الأوروبيون يؤدون دوراً، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي له حصّته في نقل الإشارات والعروض التي تحدّث عنها علنية، إلى «حزب الله». فعلى سبيل المثال، كان تركيز الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل خلال لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين، وفق المواكبين من الجهات الديبلوماسية، على الوضع في الجنوب حيث تمّ إبلاغه، كما غيره من الموفدين أنّ «حزب الله» لا يرغب في توسيع إطار الحرب، والتصعيد الحاصل مردّه إلى تجاوز إسرائيل قواعد الاشتباك. وقد أهمل الموفد الأوروبي بقية المسائل التي عادة ما يتطرق إليها الأوروبيون كالاستحقاق الرئاسي والإصلاحات وحتى النازحين.
وفق المتابعين، لم يتلقَّ لبنان الرسمي أي تطمينات دولية بأنّ إسرائيل لن تذهب إلى حرب واسعة. المساعي لا تزال قائمة، وتحديداً من الجانب الأميركي الرافض لهذا الاحتمال، ولكن لا التزامات من شأنها أن تريح الجانب اللبناني. ولهذا يمكن القول إنّ المفاوضات تجري على وقع طبول الحرب. وتضع لبنان أمام مفترق خطير: إمّا تسوية شاملة تنهي كلّ الملفات العالقة مع إسرائيل، وإمّا التصعيد العسكري. الاحتمالات الرمادية أو الوسطية تبدو مستبعدة.
القرار 1701 هو المدخل، لكن إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل السابع من أكتوبر صارت صعبة جداً. من هنا، يعمل الأميركيون على توسيع نطاق التسوية لتشمل المسائل العالقة بين الطرفين. والأرجح أنّ مزارع شبعا من أعقد تلك المسائل. ولكنّ المتابعين يؤكدون أنّ لبنان الرسمي سيضع أمام هوكشتاين كلّ الدراسات والوثائق التي تؤكد لبنانية المزارع من دون الحاجة للعودة إلى إثباتات من الحكومة السورية. ويشيرون إلى أنّ دعوة رئيس الحكومة ميقاتي بالعودة إلى اتفاق الهدنة الموقع عام 1949، إشارة موثقة في هذا السياق، ذلك لأنّ معظم تلك المزارع، كانت في تلك المرحلة لبنانية قبل أن تحتلها إسرائيل في العام 1967. كما أنّ كلّ القرارات الدولية التي تخصّ لبنان أتت على ذكر اتفاق الهدنة. وهذا ما سيبلغه ميقاتي إلى هوكشتاين، لتأكيد لبنانية تلك المنطقة، ما يعني إدراج بند الانسحاب الإسرائيلي منها، على طاولة البحث.
ولكن بالنتيجة، لا بلورة سريعة لأي تفاهم ممكن التوصل إليه، والأرجح أنّه مسار طويل ومعقد ويحتاج إلى وقت لتحقيقه، وأول شروطه وقف الحرب في غزة. كما أنّ تطيبق القرار 1701 يستدعي نشر 14 ألف عسكري لبناني في الجنوب، وبالتالي الحاجة إلى 10 آلاف عسكري إضافي، من هنا الكلام على الحاجة إلى تطويع هذا العدد. وهذا الطرح يفتح الباب أمام مطالبة لبنان بتعزيز قدراته المالية لكي يتمكّن الجيش من القيام بهذه المهمة.
ومع ذلك، يعتقد كُثر أنّ تنفيذ القرار 1701 قد لا يتمّ بمعزل عن اتفاق شامل، وقد يكون إنجاز رئاسة الجمهورية مدخله. وهذا ما يقوله سفير دولة عربية في مجالسه… ولو أنّ الأوساط الديبلوماسية تجزم بأنّ المفاوضات الجارية حول وضع الجنوب منفصلة عن الاستحقاق الرئاسي، مؤكدة أنّهما خطان متوازيان، لم يلتقيا، أقله حتى الساعة.