هناك اقتناع بأنّ الردّ الإسرائيلي على عملية «مزارع شبعا» ليس نهائياً، في وقتٍ ردَّ «حزب الله» بتبَنّيه العملية بـ»البلاغ الرقم 1» على الرسالة في شكلِها ومضمونها بالمثل، وأنّه على استعداد لأيّ منازلةٍ مهما كانت طويلة ومعقّدة. فهل ستبقى المواجهة بينهما فوق الأرض؟ أم تحتها؟ ومَن سيدفع الثمن؟
بات واضحاً لجميع المراقبين السياسيين والديبلوماسيين أنّ المنازلة بين طهران و»حزب الله» من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى، تحوّلت مواجهةً مفتوحة في مسار طويل يقود إلى كلّ الاحتمالات. فكلّ التقارير تؤكّد أنّ الطرفين يعدّان العدّة للمرحلة المقبلة بكلّ قدراتهما العسكرية والإستخبارية والسياسية، في معزل عن رأي أيّ طرف آخر مهما علا شأنه في المنطقة، وتحديداً في لبنان وسوريا.
ومرَدّ هذه المعادلة إلى أنّ طهران أمسكَت منذ أيام عملياً بناصية القرار، وباتت بقوّتها السياسية وما يمثّله «حزب الله» بالنسبة إليها كوَكيل حصريّ في المنطقة على تخوم إسرائيل في الجولان كما في جنوب لبنان، وما بينهما مثلّث الأراضي اللبنانية – السورية – الفلسطينية المحتلة الممتدّة من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا إلى الغجر، فسفوح جبل الشيخ من ناحيتيها اللبنانية – الشرقية والسورية – الغربية.
لذلك، باتت المواجهة مباشرةً بين الطرفين من دون قوّة عملية ثالثة. فالدولة السورية باتت في حكم الغائبة عن المنطقة بقرارها السياسي المشلول، وهي التي عهَدت إلى «حزب الله» والخبراء الإيرانيين إدارة المنطقة أمنياً وعسكرياً عبر «قوات الدفاع الشعبي» التي يديرانها على رغم وجود وحدات من جيشها النظامي في المنطقة.
وعلى الجانب اللبناني أثبتت التطوّرات التي أعقبَت عملية شبعا حجمَ العجز اللبناني عن الإمساك بالمنطقة، كما كانت الدولة اللبنانية غائبةً عندما قضمَت إسرائيل أراضيَها وتلالها ما بين حربَي 1967 و1973.
وزاد من ضعف الموقف اللبناني عدم قدرته في الأعوام الخمسة عشر الماضية من تثبيت لبنانيةِ المزارع ومحيطها جرّاء الرفض السوري المتمادي تسليمَ الوثائق التي تثبت لبنانية المزارع إلى الأمم المتحدة عند ترسيم الخط الأزرق، وهو ما أبقاها «بؤرةً نازفة» في الخاصرة اللبنانية بلا هوية معترَف بها دوليّاً.
وعليه، بات على من يتطّلع إلى وضع المنطقة، أن يقرأ الوقائع فيها من هذه الخلفية المعقّدة، إلّا إذا صحَّت المعلومات المتداولة على نطاق ضيّق بأنّ طهران عندما أوكَلت إلى الحزب وبالتنسيق الميداني معه تنفيذَ العملية، كانت قد أبلغَت إلى الإدارة الأميركية في اللقاء الذي جمعَ «على الواقف» وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الأميركي جون كيري في جنيف الأسبوع الماضي، أنّها لن تسكتَ عن اغتيال أحد جنرالاتها في «عملية القنيطرة»، وسيكون لها الردّ المناسب في المنطقة عينها أو على مقربة منها، وبنحو يساوي حجمَ خسارتها لأهمّ كوادرها العسكرية في سوريا وفريقه الأمني.
وإذا صحّ أنّ كيري برَّر لظريف العملية شرط ألّا تمسّ أمنَ المنطقة أو دورَ الأمم المتّحدة والاستقرر الهشّ في لبنان، فإنّ اختيار «البقعة النموذجية» لتنفيذ العملية كان نتيجة هذه المعادلة.
فالأميركيون لا يمانعون توجيه ضربةٍ إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي يخوض «مواجهةً وقحة» مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، كما يقول الأميركيون، على أرضه وتحديداً في الكونغرس الأميركي المعارض للرئيس شرط أن تبقى هذه الضربة ضمن السقف الذي لا ينهي الـ»ستاتيكو» القائم على الحدود الجنوبية للبنان المحكومة بمهمّات قوات «اليونيفيل»، ولا القائم على جبهة الجولان بمقتضياتها المحكومة بدور فريق المراقبين الدوليين «الأوندوف».
وبناءً على كلّ ما تقدّم، تبقى الإشارة ضرورية إلى الحضور الإيراني في لبنان والذي تمَثّلَ بالزيارة العاجلة لرئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى علاء الدين بروجردي إلى بيروت لقطفِ ثمار «انتصار» شبعا وتقاسُمِه مع «حزب الله» على وقعِ تجميد العمليات العسكرية موَقّتاً فوق الأرض عند حدود ما شهدَه الجنوب قبل الانتقال إلى مرحلة جديدة قد تكون تحت الأرض بوجهَيها الإستخباري والأمني، على وقع سؤال بسيط: «مَن سيدفع الثمن أوّلاً»؟