لم تأكلنا النفايات بعد، لكن الأكيد أننا أكلنا أضرارها.. وما نزال. وتحذير الوزير أكرم شهيب من أنه «إذا لم نسر بالحل المجنون لترحيل النفايات فإنها ستأكلنا أو نأكلها»، ما يزال قائماً. وهو ردده أمس من على منبر لجنة البيئة النيابية، مشيراً إلى أن اللجوء إلى هذا الحل لم يأت إلا بعد رفض كل الحلول العقلانية.
ولأن البلد فيه من الجنون ما يفوق العقلانية بأشواط، فإنه بعد أشهر من تراكم النفايات في الشوارع والمكبات العشوائية ما تزال الحكومة تتعامل بخفة مع الأزمة، مفضلة الخوض في صراعات سياسية مصلحية لا تنتهي. أما الحل الذي أقرته، بعد إفشال خطة شهيب الأولى، فما يزال هو الآخر يصطدم بجدران عالية تمنعه من السير باتجاه المرفأ فالبحر وصولاً إلى باطن إحدى الدول المجهولة الهوية، والتي أصر رئيس لجنة البيئة النائب مروان حمادة أن «اسمها ليس قيد التداول، ولكن ما يزال قيد الكتمان، لأن القواص على المشروع يأخذ كل الأشكال، هناك قواص في لبنان، في البحر، في القوانين، وهناك قواص في الدول التي ستستقبل».
ولأن الشفافية أو المطالبة بها صار إطلاقاً للنار، فإن ما تفرج عنه «الرقابة البيئية» يقتصر حتى الآن، على التفاؤل بأن الحل يسير نحو نهايته السعيدة وأن التوقيع النهائي على العقد مع شركة «شينوك» يفترض أن لا يتأخر، في ظل تكثيف استعداداتها لبدء الترحيل، والذي توقع شهيب أن تنطلق عجلته خلال 20 إلى 25 يوماً.
وفيما بدت الاستعدادات للترحيل في سباق مع مساعي «التعطيل» الذي يستشعرها شهيب جيداً، فقد كان اجتماع لجنة البيئة بمثابة جرس الإنذار المحذر من عواقب عرقلة الترحيل كما حصل مع خطة المطامر، علماً أن شهيب يحرص على التأكيد أن الترحيل ليس بمثابة خطة بديلة، إنما «الحل الأصعب الذي يتماشى مع جنون الرفض الملون مصلحياً ومناطقياً». ولأن حجم الضغط الذي يتعرض له يزداد باطّراد، فقد أعاد التذكير أن «القيادات التي اجتمعت على طاولة الحوار اكثر من مرة دفعت باتجاه تبني الترحيل، ومجلس الوزراء أخذ قراراً بالترحيل والتحضيرات جارية، والمسؤولية ليست مسؤولية حكومة فقط بل هي مسؤولية حكومة ومجلس وناس وإعلام، لأنه لا يجوز ان يتم ما يجري الآن بموضوع كهذا».
وإذ أوحى حمادة، من جهته، أن الاجتماع كان بمثابة الدعم لـ «الفدائي الأول» في هذا الملف، فقد طلب من الحكومة «المزيد من التضامن مع زميلي ورفيقي أكرم شهيب الذي حمل وزر هذه الخطة في مراحل مرت بالإفشال المذهبي المناطقي الطائفي الذي اشمئززنا منه كلنا ووصلنا الى قضية الترحيل».
ومقابل الدعم الذي يطلبه «اللقاء الديموقراطي»، كان الرئيس نبيه بري يعلن من عين التينة رفضه لهذا الحل، حيث نقل عنه عدد من النواب قوله إن الترحيل مكلف ولا حل إلا بالعودة إلى الطمر وعلى الدولة أن تأخذ قرارها وتتحمل مسؤوليتها في تنفيذ الخطة السابقة. وإذ نُقل عن رئيس المجلس أنه سحب يده من موضوع الترحيل الذي يكتنفه الكثير من الغموض، كان لافتاً عدم تضمن البيان الرسمي المتعلق بـ «لقاء الأربعاء» أي إشارة إلى مسألة الترحيل، إنما «استياء من أخذ كل هذا الوقت لمعالجة وإزالة جبال النفايات المتراكمة في غير منطقة»، داعياً إلى اتخاذ «القرار التنفيذي في أسرع وقت».
وفيما بدا تعليقاً على المعلومات التي أشارت إلى نية بعض النافذين إدخال 50 محرقة إلى لبنان، حذّر بري من أن تتحول مسألة المحارق إلى أزمة شبيهة بمولدات الكهرباء، بحيث تنتشر بطريقة عشوائية في جميع المناطق وتنفث سمومها في الهواء، أكد أن هذا الحل إذا ما اعتُمد ينبغي أن يكون مستوفياً للشروط العلمية والبيئية المرعية في أوروبا، بحيث لا يتم الاكتفاء بحرق النفايات ونشر دخانها في الجو، إنما يكون الحرق جزءاً من آلية متكاملة تعتمد التدوير وإنتاج الطاقة، وهو ما يعني عدم التسرع في الذهاب إلى حل المحارق قبل دراسته بتأن وتحضير كل مستلزماته.
لم يجد وزير الزراعة نفسه معنياً بخلاف المحارق، هو يركز جهوده على بدء الترحيل وبدء معالجة مسألة النفايات المتراكمة، حيث «الضرر الصحي والضرر الاقتصادي والنفسي أكبر بكثير من أية قيمة تكلف الدولة بموضوع الترحيل او المعالجة، لا سيما أن نسبة الديوكسين بمواقع الحرق اصبحت 400 في المئة». ولكن في موازاة عمله على إنجاح المرحلة الانتقالية التي «لا تتجاوز السنة وستة اشهر»، يؤكد أن «الأولوية المطلقة تبقى لمتابعة ومراقبة عملية بناء حل مستدام باللامركزية، وهو تخفيف النفايات من المصدر والفرز وإعطاء البلديات حقوقها لتكمل الموضوع».