مؤسف أنّ «الثنائي الشيعي» الممثّل بـ»حزب الله» وحركة «أمل»، وجد أن المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان يمكن أن ينطق باسمهما مستخدماً العباءة الدينية لمهاجمة من لا يتوافق رأيه مع «الثنائي» الطامح إلى وضع البلد تحت سيطرته وإخضاع بقية المكونات الوطنية، متناسياً رسالة رجل الدين التي تجمع ولا تفرّق.
لولا الوعي المسيحي وخصوصاً عند البطريركية المارونية والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، لكان كلام قبلان بتهجّمه الدائم وتهكّمه على أعلى مرجعية مسيحية في لبنان والشرق أوصل إلى فتنة حقيقية، لكن المكوّن المسيحي يعرف تماماً أنّ كلامه ليس إلا ترداداً سياسياً لما يريده هذا «الثنائي».
وكلف «الثنائي الشيعي» قبلان منذ مدّة الردّ والتهجّم على البطريرك الراعي خصوصاً عندما طرح الأخير خريطة طريق إنقاذية عنوانها «الحياد» وعقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان، فاستنفر قبلان، ووصلت درجة الردّ إلى حدّ التجريح الشخصي وإتهام بطريرك الموارنة بـ»العمالة».
ولم تسلم مؤسسات الدولة من هجمات قبلان، إذ هاجم في فترة من الفترات تسليح الجيش اللبناني الشرعي وتأمين الدعم المالي واللوجستي له، ربما لأنّ مشروع «الدويلة» يتفوّق على مشروع الدولة في أجندة قبلان ومن خلفه.
وفي حين اشتدت حملة قبلان على البطريرك وبعض القوى المسيحية السيادية، كان لافتاً عدم صدور ردود مسيحية بحجم الحدث، تتصدّى للمفتي قبلان، وعند الإستقصاء عن هذا الموضوع، تبيّن وجود لامبالاة مسيحية تجاهه، وتأكيد أن كلامه لا يُقدّم ولا يؤخّر، ولا يجب الدخول في سجال معه. والمضحك المبكي في خطبة قبلان الأخيرة، بحسب أوساط مسيحية، هو دعوته إلى تسوية رئاسية سريعة، وتوجّهه للبطريرك الراعي والمسيحيين بالقول: «لبنان بلا شراكة لا وجود له والشراكة تنتظركم، ولا وقت إضافي لأن لبنان بالمرحلة الرابعة من الإنهيار».
وهنا يسأل مسيحيون عن دور قبلان المدافع عن السلطة التي سبّبت الإنهيار وهو الناطق باسمها، وعن أي شراكة يتكلّم قبلان، فالمفتي ومن خلفه يدعمون ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ويحاولون فرضه على المسيحيين، في حين تتطلّب الشراكة الوطنية التي يتحدّث عنها إحترام المكوّن المسيحي الأكثر تمثيلاً. ولم يوفر قبلان حتى في رسالة بدء شهر رمضان أيضاً البطريرك الراعي، وتوجه إليه محذراً من خطر التدخلات الدولية، ونسي أو تناسى أنّ التدخل الأكبر في لبنان هو لايران التي تعتبر لبنان قاعدة متقدمة لها على البحر المتوسط وتسلّح قسماً من الشيعة لكي يستقووا على شركائهم في الوطن فبات هذا السلاح يهدد وحدة الدولة ويفرض رؤساء جمهوريات وحكومات ويعطل الاستحقاقات الدستورية وينفذ الأجندة الايرانية، والدليل هو تهدئة «حزب الله» و»الممانعة» مع السعودية ودول الخليج عندما اقتضت مصالح ايران ذلك بينما فتح «الحزب» الحرب على الرياض وضرب مصالح اللبنانيين عندما كانت سياسة ايران تقتضي فتح جبهة مع الخليج، ولم يستجب لدعوات اللبنانيين المتكررة لوقف هذه الحملات التي تؤثّر على مصالحهم وتمسّ لقمة عيشهم.
ازدواجية واضحة
وتظهر الإزدواجية واضحة في كلام قبلان حين توجّه إلى الراعي والمسيحيين مؤكداً في رسالة رمضان «أننا لن نتنازل عن الشراكة الوطنية، وعن الأخوّة الإسلامية – المسيحية، وعن وحدة لبنان، وعن حماية القرار السياسي اللبناني، والمطلوب تفعيل الحكومة الحالية، وتزخيم العمل التشريعي»، وهنا السؤال الأكبر الذي يطرحه المسيحيون وهو: كيف يطالب قبلان بالشراكة ويريد تفعيل عمل حكومة تصريف أعمال والمجلس النيابي في ظل الفراغ الرئاسي ورفض المسيحيين هذا الأمر، فعن أي شراكة يتحدث أو يعتبر البلاد تسير بلا المكون المسيحي في السلطة؟ فهل يهوّل على المسيحيين ويبتزهم وفق منطق إقبلوا بشروطنا أو نستطيع الحكم بتوافق سني- شيعي؟
لا يوجد أكثر من قبلان وفريقه السياسي يضرب الشراكة بتمسكه بكسر إرادة المسيحيين رئاسياً وفرض رئيس مع محورهم وهو فرنجية، وفي لغة الأرقام، فقد جرت الإنتخابات النيابية الأخيرة في أيار من العام الماضي وأفرزت كتلاً مسيحية نالت أصواتاً تفضيلية على الشكل الآتي: «القوات اللبنانية» 163606 أصوات أي ما نسبته 30.8 بالمئة من أصوات المسيحيين، يليها «التيار الوطني الحرّ» بنيله 112279 صوتاً أي ما نسبته 21.14 بالمئة من أصوات المسيحيين، ومن ثم نالت قوى الثورة 53332 صوتاً مسيحياً أي ما يعادل 10.04 بالمئة من أصوات المسيحيين، فيما حصد المستقلّون وشخصيات 14 آذار السابقة 43648 صوتاً مسيحياً، أي ما نسبته 8.21 بالمئة من أصوات المسيحيين، وحصل حزب «الكتائب» على 27116 صوتاً مسيحياً أي 5.1 بالمئة من أصوات المسيحيين، وحل في المرتبة الأخيرة تيار «المردة» بنيله 18062 صوتاً مسيحياً أي ما نسبته 3.4 بالمئة من أصوات المسيحيين.
وأمام هذه الأرقام، تسأل قوى مسيحية قبلان: عن أي شراكة يتحدّث وأين احترامه للميثاقية، ففرنجية لا يُمثّل أكثر من 3 في المئة من المسيحيين، والكتل المسيحية ترفضه، في حين يعمل «الثنائي الشيعي» الذي يعطّل النصاب على فرضه على المكوّنات المسيحية واللبنانية.
ومن جهة ثانية، فقد كشف تعامل «الثنائي الشيعي» مع رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل عن عقلية تعامل هذا الفريق مع المكوّن المسيحي، فباسيل منح «حزب الله» من الغطاء المسيحي ما لم يمنحه الرئيس نبيه برّي شيعياً لـ»الحزب»، في وقت تخلّى «الحزب» عن باسيل ويحاول فرض رئيس عليه هو فرنجية.
يعمل «الثنائي الشيعي» بلسان قبلان للسيطرة على الدولة، فصحيح يعلنون رغبتهم ببقاء رئيس الجمهورية أو قائد الجيش أو حاكمية مصرف لبنان مع المسيحيين، لكنهم يريدون أن يملأ هذه المراكز أشخاص مطواعون يتحكمون بهم.
سيواصل قبلان هجومه على البطريركية والمسيحيين وأصحاب مشروع الدولة من كل الطوائف، وكلما هاجمهم كلما غرق أكثر، فالبطريركية المارونية التي واجهت كل التحديات وحرّرت لبنان، لن تتأثر بهذه الحملات. والطائفة الشيعية أنتجت سياسيين ورجال دين كانوا قدوة في مجتمعهم وتأثرت بهم بقية الطوائف أمثال الإمام المغيّب السيّد موسى الصدر والعلامة الراحل محمد مهدي شمس الدين والسيدين هاني فحص ومحمد حسن الأمين وغيرهم كُثر كتبوا وعملوا للعيش المشترك والمواطنة والشراكة الحقيقية، معتبرين أنّ دور رجل الدين هو تقريب القلوب ورأب الصدوع وليس رش الملح على الجراح.