“فدا الشيخ نعيم واللي بدّو بيصير، عندي ولد عمرو سبعة أشهر، إذا بدّو نفخّخو ونبعتو على تل أبيب جاهز لأبعتو” هذا ما قاله مواطن لبناني في فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي. قال كلمته. أدار ظهره للكاميرا ومشى. لم يرَ المفتون بالشيخ نعيم اللّه في المنام يطلب منه تقديم ابنه ذبيحاً كما تراءى لإبراهيم بل رأى وسمع مرويّات الشيخ نعيم في اليقظة. المهم ألّا يطلب منه أمين عام الحزب التضحية بوليده وهو لم ينبسّ بعد بكلمة “بابا” على شفتيه النديتين.
أي أب لبناني، مسيحيّا كان أو مسلماً أو ملحداً، يعيش على الأرض اللبنانية يماثل هذا الأب المستعد لتفخيخ ابنه من دون أن يرفّ له جفن؟ ربما تأثر الوالد بقول جميل لقاسم عن الاستشهاديين الذين “باعوا جماجمهم وأنفسهم للّه تعالى” فقرر التصرف بجمجمة ابنه وجسده الطري.
يا اللّه أي فكرة خلاقة تلك! تفخيخ طفل؟ أليس من الأفضل تفخيخ حقيبة وإرسالها بالبريد المضمون أو تفخيخ تيس وتكليفه بمهمة محددة خلف خطوط العدو؟ يبدو أن تفخيخ وليد أكثر إيلاما للصهاينة. هذا ما اعتقده الأب المقاوم.
في الفيديو نفسه، وفي شارع مشلّع حيث الدمار يحفّز الأفكار، طُلب من مواطن آخر أن يدلي بدلوه، فزاد على ما تفضّل به جاره فصرّح بالآتي”قدّمت خيي حمودي وبعدني معك، وأهلي وعيلتي فداك” والقصد فداء الشيخ نعيم.
ليس بمستغرب أن ينجب مجتمع عاشق للشهادة مثل هذين النموذجين الرائعين،ما دام الأعلى منزلة في بيئة العشق هذه أخبر اللبنانيين في واحد من مونولوغاته أن استشهادييه باعوا جماجمهم إلى اللّه سبحانه وتعالى، وسلفه قال ذات يوم في لحظة غضب رداً على رئيس حزب سيادي “أنا مكلّف من الله بالدفاع عن لبنان إنت مين كلّفك؟”. ويأتيك ذميّ برتبة سياسية عالية منتفضاً ومستنكراً الكلام عن تمايز عضوي بين عشاق الموت الجماعي على طريق القدس والتعبّد لأحذية أنصاف الآلهة وبين أهل السلام ورغد العيش المنشود. أين المساحة المشتركة بين المتباهين بالعلماء اللبنانيين وبالموسيقيين وبعباقرة الذكاء الإصطناعي وبالجراحين والعاملين في قطاعات الخدمات… وبين الفخورين بقامات علمية تعمل فقط في مجال تطوير الصواريخ والألغام وصناعة المسيّرات وحفر الأنفاق في الأحياء والقرى وجبالنا الخضراء إلى فن التصوير الفوتوغرافي من قرب (أقل من 500 متر)؟
ذات يوم، هاج ناس وماجوا وتظاهروا وحرقوا أعلاماً وحطموا ملكيات في محيط سفارة الولايات المتحدة الأميركية في عوكر، فعلق الزميل شارل جبور ساخطاً: “هؤلاء ما بيشبهونا” فقامت القيامة ولم تقعد بعد. تُرى هل تصلح العبارة تلك لحالات أخرى؟ لكم الجواب يا أوليّ العقول.