يُعتبر الشيخ نعيم قاسم، الذي «انتُخِب» أميناً عاماً لـ«حزب الله» في 29 تشرين الأول، شخصية أكاديمية لم يحصل أن ذُكِر في المعلومات التي تتحدّث عنه أنّه خاض تجربة عسكرية أو أمنية كما معظم قيادات «الحزب» التي بقيت منذ العام 1982 في الظلّ ولم تخرج إلى العلن إلّا بعدما بدأت إسرائيل حرب الإغتيالات ضدّها فاتحة سجل «الحزب» القديم وقياداته الفعلية التي كانت تتحرّك مع أمينه العام السيد حسن نصرالله تحت الأرض ويُشار إليها بعبارة الأشباح.
حتى هؤلاء القادة لم يكونوا معروفين أو مذكورين في التقارير التي كانت تتناول الـ «حزب» وتاريخه باستثناء شخصية واحدة تقريباً تركّزت عليها الأضواء وهي القائد العسكري والأمني عماد مغنية الذي بقي شبحاً حتى اغتالته إسرائيل في حيّ كفرسوسة في دمشق في 12 شباط 2008.
على عكس هؤلاء، لم يكن الشيخ نعيم منخرطاً في تفاصيل العمل العسكري والأمني لـ«حزب الله». ولذلك طُرحت مسألة قدرته على الإمساك بهذا الـ «حزب» وبقياداته وأوصاله نظراً لأنّ معظم هذه القيادات الأمنية والعسكرية، وحتى السياسية، لم تكن علاقتها بنصر الله تمرّ بالشيخ نعيم ومن الأرجح أنّه لم يكن على اطِّلاع على العمليات الأمنية قبل حصولها.
صحيح أنّه كان نائب الأمين العام ولكنّه لم يكن الرجل الثاني، كما في الأنظمة الدكتاتورية. النظام السوري مثلاً نائب الرئيس منصب شبه فخري. أساساً لا يمكن الحديث عن الرجل الثاني. الرجل الثاني هو المكلّف من الرجل الأول التواصل مع من يريدون التواصل معه أو يريد التواصل معهم وإبلاغهم رسائل محددة. عندما توفي رئيس النظام السوري حافظ الأسد تولى نائبه عبد الحليم خدام تأمين وصول «الرجل الثاني» بشار الأسد إلى سدّة الرئاسة وانتهى دوره هناك.
لم يكن على الشيخ نعيم خطر مباشر. منذ العام 1992 عندما اغتيل الأمين العام لـ«الحزب» السيد عباس الموسوي لم يكن هناك مؤشرات على أنّ الشيخ نعيم مهدّد أمنيا.
حتى عندما نزل الأمين العام الثالث للـ «حزب» السيد حسن نصرالله تحت الأرض بعد «حرب تموز 2006» لم يكن هناك داع لكي يغيب معه نائبه. هذا التدبير استمرّ بعد بدء حرب المساندة منذ 8 تشرين الأول 2023، وبعدما بدأت إسرائيل عمليات الردّ الممنهجة والمخطّطة لاستهداف «الحزب». الدليل إلى ذلك أنّ الشيخ نعيم استمرّ في المشاركة المكشوفة والعلنية في تشييع قادة وعناصر «الحزب» الذين اغتالتهم إسرائيل.
مثله كان السيد هاشم صفي الدين الذي كان منذ العام 1992، تاريخ ولاية نصرالله، يُعتبر بمثابة الرجل الثاني.
منذ تأسّس «الحزب» وبدأ العمل تحت ستار من السرية والغموض، مع مطلع العام 1982 لم تكن هناك مشكلة في حسم مسألة من يتولّى القيادة. قبل العام 1985 كان يُنظر إلى السيّد محمد حسين فضل الله وكأنّه الرجل الأول والمؤسّس. ولذلك ربّما جرت محاولة لاغتياله في بئر العبد في الضاحية الجنوبية في 8 آذار عام 1985، بعد أقلّ من شهر على إعلان ولادة «الحزب» رسمياً عبر «الرسالة المفتوحة» التي تلاها أحد رجال الدين المؤسّسين لـ«الحزب»، السيّد ابراهيم أمين السيد، في 16 شباط. ولكنّ ربط فضل الله بقيادة «الحزب» لم يكن واقعياً. كان السيّد فضل الله يُعتبر بمثابة المرجع الديني الأبرز في الطائفة الشيعية في لبنان وأُلصقت به مسألة تثوير الحالة الأصولية الشيعية. والأيام أظهرت أنّه كان على خلاف مع القيادة الإيرانية، وضدّ ولاية الفقيه. ولذلك تعرّض للمحاربة حتى من قيادة «حزب الله» لأنه رفض ولاية الفقيه وطرح نفسه مرجعية في موازاة مرجعيات شيعية كبيرة من بينها السيّد علي الخامنئي في طهران.
بعد الرسالة «المفتوحة»، بدأ الكلام عن الرجل الأقوى في «الحزب»، الشيخ صبحي الطفيلي، الذي تولّى الأمانة العامة بصورة علنية منذ العام 1989. ولكن ولاية الطفيلي لم تَطُل. اختلف أيضا مع مرجعية ولاية الفقيه في طهران. بعد انتهاء حرب الإلغاء التي شنها «حزب الله» ضد «حركة أمل» وتمكّنه من الحسم العسكري، حصل ما يشبه الانقلاب ضد الطفيلي تولّى بنتيجته السيّد عبّاس الموسوي الأمانة العامة وسُمِّي الشيخ نعيم نائباً له.
عندما اغتالت إسرائيل السيّد عباس في 14 شباط 1992 لم يتولَّ نائبه الشيخ نعيم الأمانة العامة محلّه. كان اسم السيّد حسن نصرالله جاهزاً. في اليوم ذاته، صار الأمين العام وبقي الشيخ نعيم نائبه.
بعد شهر على اغتيال نصرالله الذي تحوّل أميناً عاماً «أسطورياً» على مدى 33 عاماً، عادت الخيارات لتحطّ عند اسم نائبه الشيخ نعيم. إنها «مهمة استشهادية» انتحارية، وقد ألقيت على كتفيه. هل قبلها مرغماً أم برحابة صدر؟ وهل هي غطاء لقيادة أخرى لن يُعلن عنها؟ وهل سيتمكّن الشيخ نعيم من أن يكون قائد «الحزب الفعلي»؟ أم أنه سيكون الرجل الذي وضع في الواجهة للتغطية على الرجل الذي سيقود المواجهة؟