يُثلج الصدر توضيح الشيخ نعيم قاسم بأنه لم يقصد بتصريحه “من لا يشاء الالتحاق بلبنان الذي يشبهنا فليبحث عن حل آخر” ما أوحى به فخامة الرئيس بقوله عقب اندلاع ثورة 17 تشرين “يللي مش عاجبو يهاجر”.
لا نصدّق أن يصل الافتخار بالنفس لدى الشيخ نعيم حدَّ ارتكاب غلطة شنيعة من هذا العيار. صحيح ان التباهي بامتلاك 100 ألف مقاتل و100 ألف صاروخ وتحوّل “حزب الله” رقماً صعباً في المعادلات السياسية والأمنية والعسكرية في لبنان والاقليم يدفعان الى الاعتداد المفرط بالذات، لكن “حزب الله” أذكى من أن يعتقد بأن أهل البلد صاروا غنيمة حرب، وأن هيمنته على مفاصل الدولة تعني أن اللبنانيين باتوا برسم الهجرة أو أجراء.
لم يسِئ أحد فهم كلام الشيخ نعيم. لكن لو منحناه أسباباً تخفيفية معتبرين ما بدر منه زلة لسان أو تعبيراً غير مقصود، فإنه غير محق في رمي منتقديه بالتآمر والاستهداف. ذلك ان نصَّه كان صريحاً لا يحتمل تأويلاً أو اجتهاداً، فكيف إذا صدر عن موقع نائب الأمين العام؟ أما حديثه عن الشتيمة فيقصد فيه حتماً وسائل تواصل لا تلتزم بمعايير أخلاقية، وهو يعلم ان “جيوش الحمقى” منتشرة وجاهزة لدى جميع الأطراف بلا استثناء.
كان أجدى بالشيخ نعيم، بدل الهجوم المضاد على منتقديه، أن يطرح على نفسه وعلى حزبه سؤالاً جوهرياً: “لماذا صدَّق السياسيون والصحافيون وأصحاب الرأي الآخر أنني قصدت إقصاء المعترض والمختلف وإخراجه من وطنه؟” وإذ لا بدَّ من أن يزيل من تفكيره نظرية المؤامرة والاستهداف المستمر للمقاومة ومشروعها، فربما يتوجب عليه وعلى “الحزب” ممارسة نقد ذاتي صارم آخذيْن في الاعتبار بأن لبنان بات منزلاً مخلع الأبواب، وأن حفرة المواطنين أعمق من أن تردمها شعارات الممانعة والانتصارات.
وبصفاء ذهني كامل، فليعاود الشيخ نعيم التمعن بكتابه “حزب الله: المنهج، التربية، المستقبل” الذي تجاوزت طبعاته العشر، وبسائر كتاباته بلا استثناء. فهو سيجد في حناياها وثناياها كل ما يثير ارتياب الشركاء في الوطن من مشروع ديني واثق من امتلاك الحقيقة الكاملة وهادف الى تعميم قوانينه وثقافته ونمط حياته على المكونات كلها. لذا، فإن ما يصدر عن الشيخ نعيم مختلف عما يصدر عن آخرين محازبين ويحاسَب عليه بجدية استثنائية لكونه ذا موقع سياسي وفكري أساسي.
أحد دوافع الردود القاسية والكثيرة على الشيخ نعيم هو تراكم التناقضات والمشاكل بين “حزب الله” ورافضي سيطرته على الدولة. فالحزب الذي حصد تأييد غالبية اللبنانيين لتضحياته في التحرير صرفَ تدريجاً كل رصيده منذ العام 2005 و7 أيار، حتى صار جزء وازن من اللبنانيين يتماهى مع أهالي شويا وعرب خلدة وشباب عين الرمانة، باعتبار الأحداث الثلاثة تعبر عن مكنون ثلاث طوائف “كاملة الدسم”. فإذا لم يستنتج الحزب، إضافة الى ما تقدم، بأن قمعه ثورة المواطنية بالقوة وتصديه للتحقيق العدلي بتفجير المرفأ وتعطيله المؤسسات، خطوات خطيرة على العيش المشترك تجعل أي تلميح أو تصريح أو خطأ لغوي يفسر بأنه دعوة الى التهجير أو التقسيم أو فرض الهيمنة والإذلال، فإنه يقع في خطيئة الاصرار على الخطأ، وسيندم يوماً إن وجد نفسه طارحاً مثل سؤال الاميركان بعد 11 أيلول: لماذا يكرهوننا؟