Site icon IMLebanon

رداً على الشيخ نعيم قاسم…

 

طفا الخطاب الأخير للشيخ نعيم قاسم على واجهة الأحداث السياسيّة، وغطّى على طلبات الردّ في قضيّة تفجير مرفأ بيروت التي ما زالت المعرقِل المتوفّر الآن لعمل القاضي البيطار. كذلك وبرغم انتظار صدور أيّ قرار من المجلس الدّستوري في الطعن المقدّم من قبل التيّار الوطني الحرّ في قانون الانتخاب، غابت التعليقات السياسيّة؛ إلا أنّ الشارع انتفض لمواجهة هذا الخطاب ولم يكترث لأيّ حدث آخر، على أهميّته.

 

لن نستعيد ما كتبناه في مقالات سابقة لنا، محاكاة لما كتبه المفكّر العظيم جبران خليل جبران، في مقاله الشهير تحت عنوان ” لكم لبنانكم ولي لبناني”. بل سنعالج هذه الإشكاليّة من منظار كيانيّ يبدأ من أساس تكوين هذا الفكر ومدى انخراطه في الكيانيّة اللبنانيّة التي ندرّسها في جامعاتنا كرصيد في الموادّ الحضاريّة- الثقافيّة والوطنيّة – الاجتماعيّة. فنشأة “حزب الله” كانت من بداية الأمر على قاعدة كيانيّة، حيث صرّح أمينه العام منذ بداياته التأسيسيّة في العام 1982: “مشروعنا هو مشروع الدّولة الإسلاميّة وحكم الإسلام في لبنان، وأن يكون لبنان ليس جمهوريّة إسلاميّة واحدة، وإنّما جزء من الجمهوريّة الاسلاميّة الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه في الحقّ الوليّ الفقيه الإمام الخميني”.

 

لذلك لا يعتبنَّ أحد على مَن كان صريحاً منذ البدء، بل العتب على مَن بايعه الولاء لقاء الكراسي الخشبيّة الفانية. هؤلاء هم الملامون الذين باعوا الوطن وجوهر وجوديّته؛ وبالطبع أعني هنا كلّ لبنانيّ سار في هذا الخطّ الذي اتّخذ من مقاومة العدوّ الاسرائيلي مطيّة وجوديّة ليفرض نفسه على الآخرين. و”حزب الله” اليوم يتزعّم هؤلاء كلّهم من عونيين وقوميين وبعثيين وبعض اليساريّين ومتشدّقي العروبة الذين حوّلوها إلى مملكة فارس.

 

حتّى وصلت الوقاحة بمَن يعتبرون أنّ لبنان وطنهم بأن يدعوا اللبنانيين إلى الرحيل من هذا اللبنان الذي لم يعد يشبه سواهم. أمّا وقاحة فما بعدها وقاحة في وطن أساس كينونته الفكر التعدّدي، وقاعدة حكمه الديموقراطيّة التوافقيّة! لا يا سادة. لبنان وطن ارتضيناه للبنانيّين كلّهم. وهؤلاء لبنانهم لا يسعكم أنتم لأنّكم من الأساس، ومن بداياتكم رفضتموه. وكلّ مسيرتكم السياسيّة منذ بدايات تأسيسكم هي لضرب هذه الكيانيّة التي لا تشبه فكركم الأيديولوجي العنصري بشيء، توصّلاً إلى فرض كيانيّة الفقيه التي تشبهكم وحدكم.

 

من هذا المنطلق، المطلوب منكم أنتم، إن بقيتم متشبّثين بما تقولونه، أن ترحلوا إلى حيث ترون مَن يشبهكم، لأنّنا بالحقّ أقوياء، وبالوطنيّة أقوياء، وبالفكر أقوياء، وبالتعدّديّة أقوياء، وبالحياد أقوياء، أمّا أنتم فضعفاء بسلاحكم الذي صدأ، وضعفاء في نفوسكم العنصريّة، وضعفاء في استزلامكم لإيران وآل الأسد، وضعفاء في حمايتكم لتجّار المخدّرات ومبيّضي الأموال وعصابات التهريب على الحدود اللبنانيّة -السوريّة، هذا التهريب الذي قصم ظهر اللبنانيّين جميعهم، ومن دون استثناء، حتّى مَن يعتبرون أنّهم تحت طاعتكم. ولا ننسى حمايتكم لأمن مَن تدّعون عداوتها على الحدود الجنوبيّة منذ العام 2006 وحتّى اليوم.

 

هذا الفكر المقسوم بوطنيّته والمنفصم بكيانيّته قد شُفِيَ من هذا الإنقسام والإنفصام وبات يصرّح في كلّ فرصة ما الذي يريده حقيقة. أمّا المشكلة ليست مع دعاة هذا الفكر كما سبق وذكرنا، بل مع الذين ارتضوا لأنفسهم بأن يكونوا هم طرواديّي هذا الفكر، فحملوه من على مذبح رئيس الملائكة في الشياح إلى قلب الصيغة اللبنانيّة وأهدوه إيّاها مقابل ثلاثين مقعدا من فضّة الاسخريوطيّ. وهذا ما ضرب الصيغة اللبنانيّة بتوازناتها كلّها. وباتت هذه الصيغة اليوم في مكان آخر، ورأيناها كيف دخلت البحرين مع تدشين كنيسة “سيّدة العرب”، ومع البابا فرنسيس في الإمارات.

 

ولاستعادة هذه الصيغة يجب أوّلاً إسقاط هذا الغطاء، والعمل مع كلّ الأحرار والشرفاء لإعادتهم إلى قلب الصيغة اللبنانيّة قبل أن يمنعوهم من ارتداء النّظّارات الشمسيّة ومن استماع الموسيقى لأنّها تتعارض وعقائدهم المذهبيّة. ولن نستطيع الوصول إلى هذه المرحلة إلا عبر صندوقة الاقتراع التي يجب أن تكون تحت المظلّة الأمميّة لأن لا ثقة لدينا بالجهات المولجة بإدارة العمليّة الانتخابيّة، لأنّنا عبر التاريخ لم نعاين مجرماً حاكم نفسه بنفسه إلا بالانتحار. وعلى ما يبدو أنّ هذا الدويتّو، المنظومة والمنظّمة، لن ينتحر إلا بانتحار الوطن. وهو سائر إلى هذا المصير حتماً.

 

أعان الربّ لبنان على هذه الطغمة، ولكن إيماننا أكبر من طواغيتهم كلّها. ولا مكان للخوف في قلوبنا، ومفاتيح قبورنا في جيوبنا، ولا شيء أثمن نخسره إن خسرنا الوطن. لذلك كلّه، نحن سائرون في مواجهتهم حتّى النصر، ولن يستطيعوا أبداً محاكمتنا. إن انتصرنا بقي لبناننا، وإن قتلونا وبنوا لبنانهم فلن يقدروا على محاكمتنا أيضاً، وسينبت من كلّ سنبلة منّا مئة ألف سنبلة، مستعدّة لتواجه مئات ألوفهم كلّها؛ وشعلة المقاومة ستبقى مستمرّة من جيل إلى جيل. وإن لم نستطع تحقيق ما نصبو إليه اليوم، فنحن مطمئنّون لأنّنا نكون قد سلّمنا ما استلمنا أفضل بكثير ممّا استلمناه على قاعدة أجيال تسلّم أجيالاً، لتبقى قضيّة وطن لن يموت، طالما شعلة المقاومة الكيانيّة ستبقى حيّة في وجداننا ووجدان الأجيال الصاعدة.