الشيخ نمر النمر، ليس أول من يُظلم، ولن يكون الأخير. السجل السعودي الحقوقي تند براءته. أحكامه وطريقة تنفيذها، ضرب من التوحش. مملكة تعيش بالقبضة وتسخو بالقصاص. تطمئن إلى غربٍ لا يحاسبها، وإلى منظمات حقوقية خرساء، وإلى إعلام عالمي ممسوك، وإلى أن السعودية، يحق لها، ما لا يحق لغيرها… مملكة الظلام هذه، تمارس الظلم، والشيخ النمر، لن يحظى بغير الغضب الشيعي، والشيعة، ليسوا على ما يرام، عربياً وعالمياً، فالأنظمة الرسمية الحمائية للسعودية، هي أنظمة مرتبِّصة ومراقبة ومتحفزة، لكل ما يمت إلى «الشيعية النضالية»… هذه جريمة مشتركة، السعودية ترتكبها والعالم يدير ظهره، تأييداً. وإذا كان لا بد من تعليق، فهو لا يدين المملكة، ولكنه ينبهها إلى خطر التداعيات في المنطقة.
الشيخ نمر لن يكون الأخير. السعودية تتِهمُ ولا تُتَّهم. لا تقيم وزناً كبيراً لمعارضة. قالت المملكة بفمها: «أحكام الإعدام شرعية لا لبس فيها». الشرع معها، وهي محصنة بالدين الحنيف وبالوهابية المستترة، وبمركز الإفتاء الرسمي: «هذه حدود الله لا يميز فيها أحد عن أحد». فالشيخ النمر، لا يستحق أن يُمَيَّز بالأحكام، عن منظري «داعش» ومرتكبي التفجيرات في السعودية. الشرع والأحكام كلها، مرجعية مقدسة. والشيخ ارتكب فعل القول. قال لا. لا للتمييز بين مسلم ومسلم. لا للظلم والإبعاد. لا للطغيان والاستبداد. ارتكب أقوالاً ولم يرتكب أفعالاً… في المملكة، فعل القول جريمة. فعل التفكير جريمة…
ما أبأسنا! منطقة تقتات من دينها، لتفتك بشعوبها، التي تدين بالدين ذاته. ما أشنعنا. تتساوى المملكة مع أنظمة عربية مستبدة، تمنع التفكير. يريدون من الأمة أن تكون صامتة، بها خرس. يريدون أمة تابعة يقودها فقه مدجَّج، لا يرى في الشيعة إلا «روافض».
يحدث كل ذلك، والمملكة في اشتباك إقليمي واسع، مؤسس على ثنائية السني ـ الشيعي. ما كان يقال، ولو تزلُّفا، على «الحكمة السعودية»، حل مكانه، التهور الاستراتيجي. عضلات المملكة قوية. تخوض حروباً، لا حرباً. وسَّعت ميادين قتالها إلى ما هو أبعد من اليمن، في العراق وسوريا… حصَّنت البحرين ضد الحراك الشيعي السلمي، تدفع الأمور في العراق، كي تخسر «داعش» قليلاً، وكي لا تكسب إيران أبداً. استقرار العراق على كف السعودية غير متوفر حالياً… تساهم بعسكرة الحل السياسي السوري، وتفضل الحسم في الميدان كي يترجم على طاولة «جنيف 3». حيث يكون الشيعي، السعودية بالمرصاد. أما اليمن، فمعقل النفوذ السعودي المشكوك فيه. هي تخوض المعركة عسكرياً واستراتيجياً ومالياً… تتعب السعودية مالياً. هذا غير مهم. لا تريد أن تخرج من أي معركة خاسرة، تقبل بنصف انتصار، باستثناء اليمن. تريد أن لا يكون لإيران أي ذراع. تدجين الحوثيين، هذا ما تريده، ولكن مناله بعيد.
هل جُنَّت المملكة، في عهد «الترويكا» الحالية. تقتل، ولا نقول تعدم، لأن نحر الشيخ النمر لم يأت بحكم قضائي شفاف ومسؤول. أو من محكمة لها تراث في العدالة الإنسانية. السعودية تقتل الشيخ النمر، متوقعة ردود فعل من الطائفة الشيعية داخل حدودها. فالشيخ القتيل، وضع «الصحوة الشيعية» أمام مفترق خطير: أن تدافع عن نفسها باللاعنف، كما كان النمر، أو أن تتهوَّر وتقدم على «المنكر» العنفي، حيث لا يربح أحد، وحيث يخسر الجميع.
لم تصب المملكة بالجنون بعد. هي في حالة حرب هجومية في العراق وسوريا، ولو لم تكن مشاركتها ميدانية، وهي في حالة حرب دفاعية، لحماية أمنها وسلطتها، في اليمن. وتسعى إلى كسب المعركتين معاً. ولكن، ماذا لو انتقلت المعركة إلى الداخل السعودي؟ ألا تخشى المملكة ما لدينا من نماذج في المنطقة؟
المملكة، في المدى البعيد، تخوض حرب حضورها في الإقليم. لن تقبل بالجمهورية الإسلامية، خارج حدودها الإيرانية. التمدد الشيعي، أو قرب اكتمال الهلال الشيعي، ليس من يقف في وجهه غير المملكة. ترفض السعودية أن تتقاسم وإيران مناطق نفوذ، داخل الجغرافيا العربية. ففيما تسعى إيران إلى ترسيخ حضورها ونفوذها في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، تلاقيها السعودية حيثما تكون وبالرد المناسب.
لن تسهّل حلاً في العراق وإيران تثقل حضورها السياسي والأمني والعسكري والمذهبي. تفضل المملكة استمرار الحرب على التسليم بالأمر الواقع. العراق الرسمي استنكر بشدة قتل النمر. والعراق الشيعي باسم السيستاني أدان الجريمة… المملكة ترفض بقاء بشار الأسد في السلطة في أي حل سياسي. من البديل عنه؟ العلويون يمثلهم آل الأسد، لا سواهم. لا يمكن تصوُّر حل من دون الغلبة السنية بدعم مثلث: سعودي، قطري وتركي. غرفة العمليات السعودية العسكرية لها أجنحة متعددة: جناح يمني، جناح عراقي، جناح سوري. وهي لا تتعب بعد. أو، هكذا يخيل إليها، برغم النقص الكبير في ميزانيتها للعام الحالي، وبرغم استمرار انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية.
ولكن، هل باستطاعة المملكة خوض حرب استنزاف مديدة؟ حتى الآن، لا يبدو أن المملكة قد خسرت.
فلم لا؟ السعودية، تاريخياً، دولة محاربة بغيرها. حاربت إيران بصدام حسين. حاربت عبد الناصر بالقبائل اليمنية. حاربت في نيكاراغوا والساندينيين. لها ممثل شرعي في معظم الجبهات الخلفية، باستثناء الحروب العربية ـ الإسرائيلية.
ومنذ اندلاع الربيع العربي، تقدمت السعودية لتصفية أعدائها وحماية أصدقائها. حمت حسني مبارك. منعت عنه القصاص. استقبلت زين العابدين بن علي. أمّنت له إقامة مريحة بلا حساب. انقضَّت على «الإخوان المسلمين» في مصر. رحبت بسقوط القذافي وساهمت في الجنون الليبي…
ومع ذلك، تعيش السعودية منعطفاً كبيراً، مترعاً بالأسئلة:
متى تتوقف حروب السعودية؟ هل ستنجو المملكة من آثارها المدمرة؟ هل ينفجر الوضع في الداخل، ومعه ينفجر الخليج؟
أسئلة بلا إجابات، وهذا هو الأخطر. وإحدى علامات الخطر، الإقدام على قتل النمر وتداعيات ذلك.
السعودية ليست وحدها مدانة في هذا القتل. سجون العرب امتلأت، ذات حقبة، بسجناء الرأي وضحاياه.
«أما لهذا الليل الطويل أن ينجلي؟»