Site icon IMLebanon

الشيخ سعد… إبقَ هناك

 

لنتصور أن انغيلا ميركل، أو تيريزا ماي، في زيارة للدانمرك، وتستدعى قناة دانمركية لتعلن استقالتها عبرها، أياً تكن الأسباب، وأياً تكن الظروف .

ما حدث أثبت أن دولنا، ان لم تكن كونسورتيوم للقبائل، تكون كونسورتيوم للطوائف وللعائلات، ناهيك عن المافيات . لسنا دولاً، ولسنا من هذا الزمان . لامجال للاستغراب ان قيل لرئيس وزراء لبنان «نحن أتينا بك ونحن نذهب بك».

المشكلة في تلك السيناريوات البلهاء التي تزيد في التباس، وربما تراجيدية، المشهد، بل في اهانة والاستهانة برئيس حكومة دولة يفترض أن تكون شقيقة . شقيقة؟ بعد الذي حدث مع قطر، وحيث الشروط القاتلة، هل ثمة من عربي شقيق لعربي؟

أياً يكن موقفنا من الرئيس سعد الحريري، كان يفترض أن يتصرف كرجل دولة يدرك حساسية الموزاييك اللبناني، وماذا تعني اسرائيل، بكل حمولتها التوراتية (والتلمودية) على حدودنا. يدرك أيضاً ما كان يمكن أن يحل بلبنان وباللبنانيين لو أن اولئك البرابرة استولوا على السلطة في دمشق.

نكاد نعلم كيف وضع رئيس تيار المستقبل أمام خيارات راعبة. افعل هذا أو نقطع رأسك . هنا قطع الرأس لا يتم بالسيف فقط . في تلك اللحظة، كان ينبغي أن يقول «أنا رئيس حكومة لبنان حتى ولو أعدت الى بلدي جثة هامدة».

مثلما يفترض بالشيخ تميم آل ثاني أن يجثو عند عباءة ولي الأمر، يفترض بالشيخ سعد بن رفيق آل حريري أن يفعل الشيء نفسه. الذي

وقف في ساحة الشهداء في بيروت، على انه البطل الذي يخلع سترته أمام الجماهير ويقول «ها أنذا مقاتل من أجل لبنان»، كان يقتضي أن يخلع «دشداشته» أمام تلك الحلقة الضيقة من أصحاب العيون الخشبية، والأدمغة الخشبية، ويردد العبارة ذاتها.

لكنه الحريري اياه. اختاره الملك عبدالله بن عبد العزيز ليكون الوريث السياسي لأبيه بدلاً من شقيقه الأكبر بهاء، وهو الذي طلب منه الذهاب الى دمشق ليحل ضيفاً على الرئيس بشار الأسد.

استطراداً، هل استطاع الشيخ سعد أن يشكل حكومة، أو أن يتلو بياناً وزارياً، دون الحصول على ضوء أخضر من البلاط؟ الذي حدث الأحد الفائت جزء من السياق. لا استغراب، غير أن سعد الحريري يدرك ما هي تبعات الاستقالة والذهاب بالبلاد الى الهاوية بأمر من أمير قال السعوديون انه ينقلنا من هاوية الى هاوية.

لا، لا، ثامر السبهان هو الذي يتولى أمرنا . لو كانت هناك دولة عندنا لرفعت شكوى الى مجلس الأمن (ولا بأس أن يكون حائط المبكى) ضد وزير يمارس الارهاب على اللبنانيين بالأشكال كافة، ويضغط لتفجير الدولة اللبنانية، بل ولازالتها من الوجود.

لا نغفل البتة أن سعد الحريري الذي عانى، وأبوه الراحل، من ثقافة البداوة، ومن الغطرسة، حتى وان وقع في غواية السلطة، كان صادقاً في التعاطي مع الأفرقاء الآخرين، دون أن يؤثر في ذلك التبرير الفولكلوري للائتلاف الحكومي «ربط نزاع».

حتى الآن، لا معطيات موثوقة حول طرح اسم بهاء الحريري كبديل من شقيقه . لعبة قايين وهابيل شائعة في أي بلاط. لا مشكلة لدى أولياء الأمر الذين ينظرون الى اللبنانيين كما الى بني قومهم، على أنهم الممتلكات البشرية التي تم الاستحواذ عليها بصليل السيوف أو برنين الذهب.

كلام الوزير نهاد المشنوق كان مثالياً. «لسنا قطعاناً»، رافضاً منطق المبايعة، وقد يكون «أبو صالح» هو من صاغ بيان كتلة المستقبل الصارخ حول «القضية الملتبسة». ولكن ألا يدري كيف تم اختيار الشيخ سعد؟ عن طريق المبايعة، وباصبع صاحب الجلالة.

انه القضاء والقدر. صاحب المعالي يعلم عدد المرتزقة في المكتب السياسي لتيار المستقبل، كما أي تيار أو حزب آخر. يعلم أيضاً أن هناك داخل التيار، أو على ضفافه، من ينتظر جثة الرجل على ضفة النهر، ولو كان نهراً من الدم.

يا شيخ سعد، بعد الذي جرى، لا تستطيع الا أن تكون هناك!!