IMLebanon

الشيخ سامي يكتشف المجتمع المدني: الموت للسياسة

في غالبية الأحيان، يكون «ماراتون» النائب سامي الجميل مع نفسه. يخلق القضية ويجد الدافع ويهرول بمفرده عكس خط النهاية، ولكنه يعقد مؤتمرا تلو الآخر لاعلان فوزه. أخيرا، حاول الجميل ركوب موجة المجتمع المدني، لا همّ ان انتهت الموجة ووجد نفسه وحيدا على الشاطىء، سيعقد مؤتمرا معلناً حلوله أولا في رياضة الركمجة

لا يمكن لأحد فهم النائب سامي الجميل أكثر من الفنان راغب علامة. فعدا عن إعجاب الأخير بأفكار الفتى الكتائبي ومشاريعه، حظي بطبق «مجدرة» من يديه في دارته في بكفيا.

وأمس كان يمكن تذوق «المجدرة» في مؤتمر الجميل الذي عقده في الصيفي، وكانت نتيجته: حزب الكتائب المدني ــ فرع الأوادم. يواظب الشيخ سامي منذ تسلمه رئاسة الحزب على ردّ العجوز شابّاً، فيسعى الى إلباسه «عالدارج» من أجل تحقيق هذا الغرض. إذا درج القتال، يتحوّل الكتائب الى حزب «العنيد» والـ»HK». وإذا كانت القضية حقوق المسيحيين، يواكبها الكتائب بحزب بشير الجميل. أما إذا احتضن اللبنانيون المجتمع المدني، فينمو شعر الكتائبيين بسرعة ليصبح حزب سليم (الصايغ) وألبير (كوستانيان). في هذا السياق، قال الشيخ سامي أمس إنه «لا تغيير من دون الأحزاب السياسية، ولكن المشكلة في بعض الأحزاب وأدائها»، داعياً المجتمع المدني الى حوار مفتوح. وهو ما يجب على اللبنانيين أخذه في الاعتبار لفتح نقاش حول أداء حزب الكتائب من منطلق ما له وما عليه، وما حمله خطاب يوم أمس.

يصرّ الشيخ الكتائبي على تكرار العبارات التي يريدها أن تعلق في أذهان المستمعين له، كـ»الاستحقاق البلدي استحقاق تنموي» و»لا يمكن لأحد وضع اللبنانيين في جيبه أو التعامل معهم كسلعة» و»الكتائب الى جانب العائلات والمجتمع المدني». غير أن الكلام شيء والواقع شيء مختلف تماماً، فالكتائب ــ باستثناء النائب نديم الجميل ــ صوّت في بيروت بعكس أهواء المجتمع المدني، نتيجة تحالفه مع مدير عام سوليدير جمال عيتاني (ومن خلفه غالبية أحزاب السلطة)؛ أي الشركة التي جاهرت بوضع أملاك اللبنانيين في جيبها وحوّلتها الى سلع وأسهم تجارية. وفي الخنشارة وبيت شباب (المتن الشمالي) وقف كلّ من المجتمع المدني والكتائب على طرفي نقيض. وفي القبيات، اختار حزب «الله والوطن والعائلة» الشيخ هادي حبيش على مجموعة الشباب المواجهة له، واللافت أنه لم يتمكن من إنجاح سوى عضو واحد من اثنين رشّحهما. أما عنوان الاختيار، فليس إنمائياً بالتأكيد، ولا يطمح إلى التغيير ومكافحة الفساد الذي ينادي به في خطاباته. يبدو ذلك جلياً من مجموعة التحالفات التي نسجها، وهي في غالبيتها سياسية لا مناطقية وعائلية. والبداية من المتن الشمالي، أو ما كان يسمى «عرين» الكتائب، حيث أصرّ الجميل على الظهور بموقف الرافض لتغليب المنطق السياسي، معلناً ترك حرية الاختيار للناخبين، ما يعني عدم تبنّيه لأي جهة ضد أخرى. ولكن ما إن فاز رئيس بلدية سن الفيل ذو الخلفية الكتائبية نبيل كحالة، حتى ظهر الجميل في الساحة مدندناً «عالصخر منحفر كتايب». من سن الفيل الى غالبية بلدات ساحل المتن حيث أعاد الكتائب مبايعة ريّاس النائب ميشال المر المتجذرين في البلديات منذ عشرات السنين من دون «حسيب أو رقيب» (يشدد النائب الجميل في خطابه على المحاسبة). ففي الجديدة ــ البوشرية ــ السدّ دخل الجميل الائتلاف مع أنطوان جبارة وبشروطه، فسمّى الأخير الأعضاء الكتائبيين، مخفضاً حصتهم الى ثلاثة، وفي الضبيه كذلك الأمر. يكمل «التغيير» طريقه باتجاه الزلقا التي دخل ائتلافها مع الريّس ميشال عساف المر الملقب بـ»الشريف».

يريد الكتائب انفتاح المجتمع المدني عليه ويتحالف ضده في بيروت والمتن وعكار

ومنها الى جل الديب حيث صوّتت غالبية الحزبيين لمرشح المر، رغم قلة إنمائه ولاخدماته. الأمر سيان بالنسبة إلى بلدية انطلياس وريّسها ايلي بو جودة غير المنتج إلا من خلال كساراته التي تحفر طبيعتها. أما في المنصورية التي فازت بالتزكية، فأمّن الكتائب حصته في البلدية أو شركة المقاولة التي يديرها وليم خوري.

لرومية قصتها الخاصة، إذ اتخذت المعركة بداية الطابع العائلي بين لويس بو حبيب وعادل بو حبيب، قبل أن تتغلغل فيها الأحزاب. ولكن تدخل الكتائب أدى الى انقسام القاعدة وحرد بعضها عقب دعم بكفيا لطرف على حساب طرف آخر. تطول اللائحة لتتوزع على خريطة المتن كاملة، بما فيها نابيه وبرمانا وبولونيا ومزرعة يشوع وبسكنتا والمروج. حتى بات يمكن القول إن الكتائب ولا أحد آخر هو حليف المر والقوميين الوفي! إذ لم يتوقف الحلف مع القومي على المتن الشمالي، بل امتدّ الى البترون. هناك مال شراع بكفيا نحو قوى السلطة ضد التغيير، وبالسياسة مع المردة والقومي وتيار المستقبل ضد التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. لكن مهلاً، الجميل يرفض إدخال السياسة بالإنماء، ويرفض «التحالفات غير الطبيعية، فالشعب ليس شيكاً يمكن تجييره»! ومهلاً أيضاً، الكتائب لا تخوض هذا الاستحقاق لمصلحة أو من أجل تسجيل النقاط، إلا أنها تستعرض ربحها بالخط العريض على موقع الحزب في اليوم التالي، وتضيف الى قائمتها انتصارات وهمية، كزعم الفوز في بيت شلالا وعبرين وجران ومنيارة وغيرها. وبالمناسبة، في منيارة العكارية كما في باقي البلدات «ترك الحزب حريّة الاختيار لمناصريه»، ولكن عند ترشح الكتائبيين على هواهم، ومنهم أمين سر الاقليم السابق ميشال حايك، ظهر في اللائحة المنافسة مَن يشهّر به ويطالب بسحب بطاقته الحزبية. فقد آثر عرّيف حفل اللائحة التي شكلها الوزير السابق يعقوب الصراف، الكتائبي جوزيف خوري، الاعلان على الملأ دعم سامي للائحته ضد «الطفيلي الكتائبي» في اللائحة الأخرى. رغم ذلك، تمكن الحايك من تحقيق نتيجة لافتة والحلول ثالثاً في لائحته من دون الدعم الكتائبي، فيما خسرت اللائحة المدعومة من الكتائب كاملة. وأيضاً خسرت اللائحة التي شكلها رئيس الاقليم الكتائبي في عكار روبير نشار في بلدته المسيسة كاملة.

يحمل فتى الكتائب، منذ ما قبل بدء مسيرته الحزبية، لواء «اللامركزية»، من دون أن يسعى الى وضع خطة جدية وشاملة لقضاء المتن مثلاً عندما سنحت له الفرصة لذلك. يطبّل ويزمّر لشعار «مشروع لبناني أخضر وبلدي» من دون أن يحاول دعم الشباب بدل التجديد للبلديات الهرمة. ينتقد الحكومة ويعتصم ضدها، فيما وزراؤه الثلاثة داخلها. يريد للمجتمع المدني الانفتاح عليه ويحاول عصرنة حزبه، فيما يهرول من جهة أخرى لمحالفة أحزاب السلطة والمفاوضة على الحصص. «أحاول نقل الثورة الى الكتائب، أرى أنّ الحزب في أساسه «ثورجي». وعودة الثورة الى حزب الكتائب هي عودة حزب الكتائب الى ذاته»، يقول سامي الجميل. لكن ما لا يعرفه الشيخ أن الثورة بحاجة إلى تحويل الشعارات إلى برنامج عمل، لا التعامل معها كما لو أنها صحن «مجدرة».