رسم “حزب الله” لنفسه صورة “الحزب” الذي يدافع عن الشيعة ويعمل على إعلاء شأنهم في لبنان. لكن، بمراجعة موضوعية لمسار “الحزب” منذ تأسيسه، وخاصةً خلال العقدين الماضيين، تتبدّد هذه الصورة أمام حقائق تكشف تناقض غاياته مع ما يدّعيه.
أولاً، في بداياته، وفي سعيه لتعزيز نفوذه داخل الطائفة الشيعية، دخل “حزب الله” في صراعٍ دمويّ مع حركة “أمل”، فيما عُرف بـ”حرب الإخوة”، دفع بسببها الشيعة أثماناً باهظة لتحقيق غاية استراتيجية لـ”الحزب”: السيطرة على الطائفة كي تكون قاعدة صلبة تنطلق منها لإيران لتوسيع نفوذها في لبنان والمنطقة.
ثانياً، اعتمد سياسات ممنهجة لعزل الشيعة عن باقي المكونات اللبنانية وعن محيطهم العربي. فمن خلال سلسلة من الاغتيالات السياسية، والغزوات الداخلية، والتهديدات المستمرّة للقوى السياسية اللبنانية والدول العربية، حوّلها إلى طائفة تشعر بأنها تعيش في “جزيرة معزولة”، محاطة ببيئة معادية.
هذا الإحساس بالإنعزال لم يكن مجرّد نتيجة عرضية، بل جزءاً من استراتيجيته. فخلق حالة العزل المترافقة مع القلق والخوف، عزّز سيطرته على الشيعة، وحوّلهم إلى أدوات تخدم مشروعه الإقليمي.
ثالثاً، بعد إحكام سيطرته المطلقة على الطائفة الشيعية، أصبحت الممارسات والخيارات التي تستخف بمعاناتهم ولا تحترم عقولهم نهجاً مألوفاً في أدائه السياسي.
حرب تموز 2006 كانت نموذجاً صارخاً عن هذا النهج. فرغم الكلفة البشرية والمادية الهائلة التي دفعها الشيعة، أعلن عن “نصرٍ إلهيٍ”، إذ حقق غايته السياسية الحقيقية: إنهاء المفاعيل السياسية لاغتيال الرئيس الحريري، وإعادة تثبيت النفوذ الإيراني.
في سوريا، وَضَع الشيعة في حالة عداء مع الشعب السوري، ليس لحماية لبنان أو الشيعة، بل لضمان استمرار النفوذ الإيراني عبر نظام الأسد. كان قد أعلن أن الدفاع عن النظام ضرورة استراتيجية “للمقاومة”، وبعد انهياره أصبح “تفصيلاً” حسب الشيخ نعيم قاسم. مئات الشباب ماتوا من أجل “تفصيل”!
كما أن “حزب الله” تقدّم المشهد في قمع ثورة 17 تشرين، فقد تلمّس فيها مساراً يتهدّد منظومة الفساد التي تُشكّل بدورها الدرع السياسية لسلاحه، وبالتالي للنفوذ الإيراني، وما يصيب المنظومة سوف يصيب هذا النفوذ، وهو فعلاً كذلك. من هذا المنطلق، اتخذ قراراً بمواجهة هذا المسار، ضارباً بعرض الحائط حقوق المواطن الشيعي وسائر اللبنانيين في التغيير ومحاسبة الفاسدين.
أما دخوله في حرب “إسناد غزّة” التي أدت إلى الانتحار بذاته وبالشيعة، فقد شكّل المثال الأبرز عن عنجهيته واعتداده المفرط بالذات. هذه الخطوة جسّدت أقصى درجات الاستخفاف بحياة وأرزاق الشيعة خدمةً للمشروع الإيراني تحت عنوان “وحدة الساحات”.
رابعاً، في محاولة لتجميل المآسي والكوارث التي جلبها مشروعه للطائفة الشيعية، عمد “الحزب” إلى تحريف بعض المفاهيم بما يتناقض مع معناها العلمي والمشاعر الإنسانية. فبات الدمار والخراب يُسوَّقان على أنهما “انتصار”، وحلّت “التهنئة” محلّ “التعزية” في سياق لا ينسجم مع طبيعة الفواجع. أما الأسوأ، فكان الانحدار إلى مستوى يُحقّر القيمة الإنسانية حين جرى تصوير الموت على أنه “سعادة”. أي إهانة أشدّ من هذا للمواطن الشيعي، الذي باتت كرامته وقيمته تُستباح تحت شعارات زائفة!
منذ نشأته، لم يكن “حزب الله” حامياً للطائفة الشيعية كما يزعم، ولا مدافعاً عن حقوقها وكرامتها. بل ألقى قبضته عليها، وحوّلها إلى متراسٍ يحتمي بها. سياساته، التي لطالما تجاهلت مصلحة أبناء الطائفة، أكدت أنه الأكثر استهانة بدمائهم ومعاناتهم، في سبيل تحقيق مصلحة المشروع الإيراني على حساب حاضر الشيعة ومستقبلهم.