وفق استطلاع للرأي كشف أن بيئته بدأت تنقلب عليه وعلى الدور الإيراني في لبنان
أصبح موضوع العلاقة بين الطائفة الشيعيّة في لبنان والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة في السنوات الأخيرة، من المواضيع الأكثر إثارة للجدل في الساحة السياسيّة اللّبنانيّة، وتشمل هذه العلاقة الجوانب الدينيّة والسياسيّة. وتُشكّل نقطة محوريّة في فهم تحولات المنطقة ودور لبنان في سياق النزاعات الإقليميّة.
منذ قيام الثورة الإسلاميّة في إيران عام 1979، بدأت طهران في بناء علاقات قويّة مع المجتمع الشيعي في لبنان، حيث اعتُبر “حزب الله” أحد أقوى الأذرع العسكريّة والسياسيّة التي تدعمها إيران.
وبعد حرب 2006، التي نشبت بين “حزب الله” وإسرائيل، توطّدت العلاقة أكثر بين الطرفين بشكل لافت، فشهدت فترة ما بعد الحرب تعزيزاً لدور إيران في لبنان، حيث كانت تُعتبر مصدر دعم سياسي ومالي وعسكري مهم لـ “الحزب”. واستمر هذا الدعم حتّى أوقع “حزب الله” لبنان في حرب شاملة تسببت بتكاليف مرتفعة لا يُمكن تصورها على أبناء الطائفة الشيعيّة خصوصاً واللّبنانيين عموماً. وهنا يكمن السؤال: كيف ينظر شيعة لبنان اليوم إلى إيران بعد توريطها هذا البلد في “حرب المساندة”؟
يكشف مصدر إحصائي متابع لـ “نداء الوطن”، عن إجراء استطلاع رأي على عيّنة شملت 1000 شخص من المناطق اللّبنانيّة كافةً، وعيّنة من النازحين اللّبنانيين من مناطق القتال هذا العام، وقد تبيّن أنّه مع مرور الشهور وزيادة الانقسامات السياسية في لبنان، أصبح موقف شيعة لبنان من إيران أكثر تبايناً. وفي الشهر الحالي، ظهرت انقسامات واضحة في الرأي بين الذين شملهم الاستطلاع. وأكد 45% منهم أنهم لا يزالون يدعمون العلاقة مع إيران، لكنهم أصبحوا يطالبون بأن يكون هذا الدعم مشروطاً بالحفاظ على مصلحة لبنان أولاً. أما الـباقون، أي الـ 55%، فقد أشاروا إلى أنهم أصبحوا يشعرون بالقلق من الدور الإيراني في لبنان، خصوصاً في ظل التوترات الطائفية المتزايدة في المنطقة. وبدأ العديد منهم يشككون في فكرة أن العلاقة مع إيران تحمي مصالح لبنان في المستقبل.
وتابع المصدر: “3 أشخاص من أصل 4 يؤيدون نزع سلاح الميليشيات بما في ذلك سلاح “حزب الله”، و55% من الشيعة الذين شملهم الاستطلاع، أعلنوا تأييدهم لنزع هذا السلاح.
وظهر، أن نسبة مرتفعة من أبناء الطائفة الشيعيّة الذين شاركوا في الاستطلاع، يعتبرون أنّ إيران تستخدم “الحزب” كأداة للسيطرة على لبنان، في حين بيّن استطلاع سابق صدر في شهر نيسان من العام نفسه أنّ 87% من أبناء هذه الطائفة يُفكّرون بهذا المنطق، إلاّ أنّ هذه النسبة ارتفعت إلى 93% في شهر تشرين الأوّل الماضي. وهناك 61% من اللّبنانيين يعتقدون أنّ إيران تستخدم “حزب الله” كأداة للهيمنة والسيطرة على لبنان، في حين اعتبر 65% من اللّبنانيين أنّ هذه الحرب لم تُساعد غزّة في حربها، بينما أكد 23% من الشيعة أنّ الحرب أوقعت غزّة بالمزيد من المأساة.
وعن تأثير الحرب على “حزب الله”، أجاب المصدر: “إنّ هذه الحرب أوصلت “الحزب” إلى أضعف وضع مرّ به حتّى الآن”.
من خلال الاستطلاع، يتّضح أنّ مواقف الشيعة في لبنان تجاه إيران ليست ثابتة وتخضع لتأثيرات متعدّدة، بدءاً من الأحداث في المنطقة وصولاً إلى الأوضاع الداخليّة. وتزايدت التحفظات بشأن العلاقة مع إيران في الأشهر الأخيرة، خصوصاً في ظلّ الحرب الدائرة. وبينما لا يزال جزء كبير من الشيعة اللبنانيين يساند إيران كحليف استراتيجي، تزايدت الأصوات التي تطالب بقطع الارتباط معها والمحافظة على سيادة لبنان واستقلاله، وتجنب جرّ البلاد إلى صراعات إقليميّة إضافيّة.
ويُظهر هذا الاستطلاع كيف أنّ المواقف السياسيّة في لبنان معقّدة ومتنوعة، ولا يمكن اختصارها بمجرد تأييد إيران أو معارضتها، بل هي جزء من صراع أوسع بين قوى إقليميّة ومحليّة داخل لبنان.
وأنهى المصدر كلامه قائلاً: “يُلاحظ أنّ هناك انقساماً بين آراء الشيعة اللبنانيين تجاه إيران ، سواء على مستوى دعم “حزب الله” أو على المستوى العقائدي الذي يربطهم بالإسلام الشيعي الذي تمثل إيران مرجعية دينية له”.