يقول البيان الصادر عن رئاسة الوزراء التركية إنّ القوات البرّية التركية بدأت عند الرابعة من فجر أمس الأربعاء بالتنسيق مع قوات «الجيش السوري الحر» عملية تطهير بلدة جرابلس التابعة لقضاء حلب من مجموعات تنظيم «داعش».
ويقول بيان آخر في ساعات الصباح الاولى إنّ «درع الفرات» هو الإسم المختار لهذه العملية التي بدأتها الوحدات الخاصة التركية والتي كانت توغلت قبل يومين، حسب التقارير الامنية، الى داخل الاراضي الحدودية السورية على مقربة من جرابلس لتحديد الاهداف والإحداثيات التابعة لمواقع «داعش» في المنطقة.
ويؤكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في كلمة له ظهر أمس وبعد ٧ ساعات على انطلاق العملية العسكرية أنّ التحرك التركي بالتنسيق مع «الجيش السوري الحر» هو رسالة الى تنظيم «داعش» والى مَن يحاول لعب ورقته يومياً ضد تركيا، لكنه رسالة الى حزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي» في سوريا ايضاً، وأنّ بين أهداف تركيا من خلال هذه العملية المساعدة على وضع حدّ للمشكلات في المناطق الحدودية التركية ـ السورية والدفاع عن الجغرافيا السورية ووحدتها وتماسكها وعدم انتظار الدعم والمساعدات الاوروبية الموعودة لتركيا لأنها لا تحتاجها وستعمل على حلّ مشكلات اللاجئين بطريقتها.
على ضوء كلّ هذه المعلومات والتفاصيل الصادرة عن القيادات السياسية والعسكرية التركية حتى الآن تبرز الى العلن مجموعة من الاسئلة المفترضة والتي تستحق أن تجيب عنها تركيا بالدرجة الأولى:
– هل انتهى مشروع ربط الكانتونات الكردية في سوريا بعضها ببعض؟
وهل سيعترض النظام السوري على التدخل العسكري التركي المباشر في معركة القضاء على «داعش»؟
– هل معركة جرابلس هي مقدمة لتحرّك عسكري أوسع تضع انقرة أسسه في اتجاه معركة أوسع تهدف لإزالة تنظيم «داعش» من المعادلة السورية؟
– هل ما تفعله أنقرة هو مجرد إبلاغ الى واشنطن وموسكو بتحركاتها العسكرية في سوريا؟ أم إنّ التنسيق الثلاثي، أو حتى الاوسع، مع إيران والسعودية موجود على الارض؟
– هل ستكون هناك اعتراضات عربية على الدخول العسكري التركي الى سوريا وسيتمّ استخدام الوسائل السياسية والديبلوماسية عربياً وإقليمياً لإخراجها من سوريا؟
– هل يكون هذا التحرك التركي خطوة يريدها البعض في اتجاه دفعها نحو النظام في دمشق لتفعيل مشروع المرحلة الانتقالية في سوريا؟
– هل ستتدخل واشنطن لعرقلة محاصرة «الشريك الكردي» في سوريا وهي التي تردد أنّ العدو الحقيقي هو «داعش»؟
– هل سيتحرك النظام في سوريا بالتنسيق مع الوحدات الكردية للتصدي لمحاولات التمدد والتقدم العسكري المشترك بين تركيا وقوات «الجيش السوري الحر» في اتجاه حلب أو عفرين مثلاً؟
– هل ينسحب تنظيم «داعش» بلا قتال حقيقي في مواجهة يُعرف مسبقاً أنه ينتحر فيها كما فعل على جبهات أخرى في سوريا والعراق؟
ما يُفهم اذاً من أهداف عملية «درع الفرات» المعلنة بنحو رسمي او غير رسمي حتى الآن هو الآتي:
– المواجهة هي مع «داعش» لكنّ الرسالة هي لحزب «الاتحاد الديموقراطي الكردي» في سوريا.
– إخراج «داعش» من المعادلة الحدودية بين تركيا وسوريا.
– فتح الطريق امام منطقة عازلة في جرابلس ومحيطها في بقعة جغرافية يصل مداها الى٩٠ كلم مربع.
– منع الطيران السوري الاقتراب من هذه المنطقة بتوفير غطاء حماية جوّي دولي لها.
– إعادة وحدات الـ»بي. ي. دي» الكردية الى شرق الفرات وإخراجها تحديداً من منبج بعد الضمانات الاميركية المقدمة لأنقرة في هذا الشأن، وحيث تركت واشنطن وقت سحب القوات مسألة مطاطة مفتوحة مرتبطة بالظروف ما يدفع تركيا الى تضييق الفترة الزمنية من خلال خطوتها العسكرية هذه.
– فتح الطريق امام قوات المعارضة السورية المعتدلة لالتقاط أنفاسها في المعادلات العسكرية الداخلية في سوريا بعدما مالت الكفة تماماً لمصلحة الوحدات الكردية وتنظيم «داعش».
– وقف حركات اللجوء الى الداخل التركي عبر مناطق الحدود التركية ـ السورية.
– تأمين إيصال المساعدات الى النازحين السوريين في المنطقة الامنية الجديدة داخل سوريا بغطاء عسكري دولي.
– تحريك فرص المفاوضات السياسية في الملف السوري داخلياً واقليمياً، والمقصود هنا هو رسالة رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم الذي تحدث عن ضرورة تفاهم دول المنطقة في ما بينها على التسوية في سوريا وعدم الرهان الدائم على القوى والمؤسسات الدولية التي وصلت في مساعيها الى طريق مسدود حتى الآن.
بين السيناريوهات والاهداف غير المعلنة لتركيا من خلال تحركها هذا والمرتبط مباشرة بالتطورات العسكرية الميدانية وجهوزية قوات «الجيش الحر» القتالية، الآتي:
– توفير منطقة أمنية وأرضية اوسع للمعارضة السورية نحو مدينة الرقة للإطاحة بـ«داعش» هناك ولإنهاء تمركزها الأمني والسياسي في قلب المعادلة السورية.
– فتح الطريق امام المرحلة الانتقالية الحقيقية في سوريا بلا «داعش» وفي اطار حصة اكراد سوريا حسب قوتهم السكانية والجغرافية والسياسية الحقيقية في البلاد.
– تعطيل مشروع الفدرالية او الكونفدرالية الكردي الذي يحاول حزب «الاتحاد الديموقراطي» فرضه مستفيداً من الظروف والأجواء ومن دون مناقشة هذه المسألة الدستورية مع شرائح المجتمع السوري، بل بالتنسيق مع واشنطن وموسكو.
وللذين يتساءلون عن موقف البيت الأبيض من العمليات العسكرية التي بدأت في اتجاه جرابلس يقال إنّ نائب الرئيس الاميركي جو بايدن لم تجمعه المصادفة حتماً بوجوده في انقرة مع انطلاق العمليات التركية داخل الاراضي السورية، وإنّ تركيا التي عانت من رفض واشنطن الدائم لإعلان الساعة الصفر في الحرب على «داعش» السورية وتعطيل مشروع المنطقة الآمنة التي تريد.
تركيا طالبت بايدن بأن تركز واشنطن هذه المرة على الفرص الاستراتيجية التي تقدمها تركيا للجميع في اتجاه تحريك المشهد السوري المتأزّم نحو الحلحلة وليس التركيز على سبل حماية مصالح حزب صالح مسلم حليفها السوري.
وللذين يتابعون مسار العلاقات التركية ـ الروسية وتقدمها ويتساءلون عن موقف الكرملين من التحرك العسكري التركي الأخير يُقال إنّ الطائرات التركية مهّدت لتحرك القوات البرية بقصف جوي لمواقع «داعش» بعد 8 أشهر من الرفض والاعتراض و»الفيتو» الروسي وإنّ الرئيسين فلاديمير بوتين وأردوغان يستعدان لحضور المباراة الودّية في كرة القدم بين المنتخبين الروسي والتركي في مدينة أنطاليا الجنوبية وهي بين الأولويات أيضاً.