نجحت أنقرة بالتنسيق مع «الجيش السوري الحر» في إنجاز الأهداف الأولى لعملية «درع الفرات» وهي:
– اولاً، قطع الطريق على التمدد الكردي في محاولة الربط بين جرابلس وعفرين في اتجاه دمج الكانتونات بعضها ببعض في شمال سوريا استعداداً لإعلان الاستقلالية الادارية والسياسية في اطار مشروع فيدرالي كردي في سوريا.
– ثانياً، وضع اسس توسيع رقعة وجودها في جوار جرابلس في اتجاه تكريس مشروع المنطقة الآمنة هناك وتسليمها الى المعارضة السورية لادارة شؤونها بالتنسيق معها لتوفير أعباء اللاجئين السوريين على تركيا وتسهيل عودة مَن يشاء ملزمة المجتمع الدولي بدعم هذه الخطوة التي قد تساهم في حلّ مشكلة اللجوء ببعدها الدولي.
– ثالثاً، إبعاد عناصر تنظيم «داعش» من المناطق الحدودية بعد مواجهات عسكرية أرادت تركيا من خلالها سحب ورقة التنظيم من يد لاعبين محليين وإقليميين تمسّكوا دائماً بوجود علاقة مصالح وخدمات متبادلة بين «داعش» وأنقرة في سوريا والعراق.
أما أهداف انقرة في المرحلة الثانية للعملية فستتركز على:
– أولاً، إعادة مقاتلي الحزب الديموقراطي الكردي إلى شرق نهر الفرات حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أنّ هذه القوات لم تغادر المنطقة بعد.
– ثانياً، الدخول الى منبج وتسليمها لـ»الجيش السوري الحر».
– ثالثاً، إخراج قوات «داعش» من بلدة الباب لتصفيتها في منطقة شمال غرب سوريا.
– رابعاً، شرح اسباب إنشاء المنطقة الآمنة وأهميتها وتوفير الدعم والغطاء الدوليين لها.
يلعب أردوغان منذ صباح 16 تموز المنصرم، وبعد ليلة واحدة على الانقلاب العسكري الفاشل، كلّ أوراقه الإقليمية والدولية لإنجاح عملية الدخول العسكري التركي الى شمال سوريا وهو يبدو أنه نجح في ذلك طالما أنّ ردود الفعل المحلّية والإقليمية بقيت محدودة ويفهم كثير من الاطراف الموقف التركي الذي قد يتحوّل فرصة لدفع ملف الازمة السورية نحو الحلحلة كما تقول أنقرة.
أردوغان يقول «إنّ 90 في المئة من سكان منبج الأصليين هم من العرب وإنه من غير المقبول توطين أناس من أعراق أخرى في هذه المدينة، وإنّ تركيا تعمل على توفير أمن حدودها ومواطنيها بنفسها، فنحن لم ندخل مدينة جرابلس، ولكنّ أهل جرابلس الأصليين استعادوها بمساعدتنا، ولا ننوي البقاء في هذه المدينة وإنّ عناصر تنظيم حزب الاتحاد الديموقراطي إلى الآن لم ينسحبوا الى شرق الفرات، ونحن مَن يقرّر ويثبت ما إذا كانوا قد انسحبوا أم لا». وكلّ هذا رسائل من العيار الثقيل الى الشريك الاميركي تتابعها موسكو بسرور وبنشوة فرح بعودة تركيا اليها.
القيادات التركية حاولت الايحاء أنها جاهزة لقبول مرحلة انتقالية سياسية في سوريا يقول الرئيس بشار الاسد ما عنده خلالها ثمّ يغادر. ثمّ هي تجاهلت الأنباء التي تناقلها الإعلام حول اتصالات بين انقرة ودمشق تُجرى بعيداً من الأضواء مرة في بغداد وأُخرى في الجزائر وثالثة في دمشق نفسها.
وهي بعد ذلك أعلنت أنها تقود عملية وقف نار وهدنة طويلة في حلب قبيل عيد الاضحى وأنّ التنسيق مستمرّ مع اللاعبين على الارض في رسالة تحية الى موسكو وطهران.
لكنها من ناحية ثانية واصلت وبالتنسيق مع حليفها «الجيش السوري الحر» العمليات القتالية ضد «داعش» والوحدات الكردية في جرابلس ولم تقبل الضغوط الاميركية بإنهاء التوتر مع الوحدات الكردية التي تعد لمشروع تقسيمي تفتيتي في سوريا وهي تغمز هنا من قناة علاقاتها بعدد من العواصم العربية والأوروبية.
الإعلام التركي القريب من حزب «العدالة والتنمية» يتحدث اليوم عن «فخ أميركي» نُصِب لتركيا في شباط العام المنصرم خلال عملية «شاه فرات» التي نفّذتها الوحدات الخاصة في الجيش التركي في سوريا، بالتنسيق مع جهاز المخابرات التركية «ميت» في اتجاه ضريح سليمان شاه، ونقلت الجثمان من المكان ومعه محتوياته التاريخية المهمة، وتخريب الأبنية هناك حتى لا يتم استخدامها أو الإساءة إليها على يد «داعش» الذي كان يحاصر المنطقة.
الرواية التركية الجديدة تقول إنّ واشنطن تعمّدت تسهيل تمركز «داعش» هناك لتحريك الوحدات الكردية ضدها وتبرير هذا التحرك الذي لعب دوراً اساسياً في التمدد والانتشار الكردي، وإنّ أنقرة لم تكن راغبة في خيار نقل الرفات، لكنّ واشنطن هي التي ضغطت في هذا الاتجاه كخيار وحيد أمام الأتراك.
يبدو أنّ تركيا ترد بطريقة مختلفة على التحية الأميركية فمشكلة واشنطن الحقيقية كما أرادها الأتراك من خلال التحرك العسكري في شمال سوريا هي تركها امام ورطة اعتمادها على الوحدات الكردية التي ترفضها أنقرة تماماً وأنها لن تجد البديل الذي تثق به خلال فترة زمنية قصيرة وأنه إذا تصاعدت الحرب التركية ضدهم، فإنّ هناك احتمالاً واضحاً بأنّ الوضع يمكن أن ينتهي باستهداف العناصر الأجنبية التي تقاتل الى جانبهم حيث بدأت التوابيت تنتقل من سوريا الى العواصم الغربية.
أردوغان كما يبدو ليس في طريق المهادنة مع البيت الأبيض لكنّ مهمته على هامش قمة الدول العشرين في بكين ستكون صعبة جداً في إقناع اللاعبين الكبار باستمرار دعمهم الخطة التركية التي تتقدم خطوة خطوة ومن دون الكشف عن جميع الاوراق، خصوصاً إذا ما حاصرته واشنطن وموسكو بتفاهم مفاجئ يقلب المعادلات التركية رأساً على عقب في المشهد السوري في حال شعورهما أنّ المشروع التركي يتركهما امام مواجهة صعبة تفقدهما الموقع والدور وتتركهما في ورطة مع شركائهما المحليين هناك.