غداة التصعيد السياسي على أكثر من محور، وارتفاع منسوب الأزمات التي تعصف بالساحة الداخلية، ارتسمت مجدّداً في الأفق مؤشّرات على اهتمام وعناية فرنسية متقدّمة للملف الرئاسي، ولكن من دون أن تتأكد، وللمرة الثانية أيضاً، متانتها وصلابتها وقدرتها على كسر حاجز التعطيل الذي يقطع الطريق على أي مبادرة داخلية أو خارجية مهما كانت فاعلة وإيجابية. وبصرف النظر عن المواقف الديبلوماسية الفرنسية المعلنة منذ أسابيع حول قناعة باريس بأن تسوية الأزمة الرئاسية صعبة في ظل الظروف الراهنة، فإن أوساطاً سياسية مطلعة في بيروت، توقّعت حصول تحوّلات إزاء الحراك الفرنسي الرسمي من العنوان الرئاسي، وذلك عبر مقاربة جديدة في اتجاه طهران، ربما تمهّد لإعادة تدوير زوايا هذا الملف البالغ التعقيد، والذي لم يتمكن أي من الأطراف المحلية من وضع حدّ له، رغم كل ما تحقّق من مبادرات وتنازلات، على حد قول هذه الأوساط المطلعة.
فالموقف الإيراني عن وجوب صدور القرار «الرئاسي» من بيروت لم يتبدّل على حد قول الأوساط نفسها، والتي كشفت أن إعلان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، حول الحوار المحتمل والضروري لحل الأزمات في المنطقة، ومن ضمنها الأزمة السياسية اللبنانية، حمل أكثر من معنى من الممكن أن يتم التأسيس عليه لرسم مشهد جديد في الشهر المقبل، وذلك انطلاقاً من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت إلى بيروت.
وأوضحت الأوساط السياسية نفسها، أن تزامن هذا الحراك الفرنسي ـ الإيراني مع مبادرة محلية بعد نحو شهر لعقد حوار وطني موسّع وشامل بأجندة مثقلة بالعناوين، يمهّد إلى عملية خلط أوراق على الساحة اللبنانية، على أن تكون الكلمة فيها، أو العنوان الرئيسي هو إجراء الإنتخابات الرئاسية، وليس الإتفاق على قانون جديد للإنتخابات، وذلك بعدما باتت الفوضى شبه مستشرية في أكثر من مؤسّسة وإدارة، ولم تعد تنفع معه أية معالجات سطحية وظرفية.
وكشفت الأوساط السياسية المطلعة عينها، عن أن الصورة شديدة التعقيد، وأن أي مبادرة مهما كان مصدرها، لن تتمكن بسهولة من تحقيق اختراق إيجابي، لأن سقف المواقف السياسية قد سجّل ارتفاعاً ملحوظاً منذ بدء الإفطارات الرمضانية، وتحديداً في مواقف الرئيس سعد الحريري، الذي انتقل إلى مقاربة مختلفة عن مقاربته السابقة للعلاقة مع حزب الله، ولكن من دون التراجع عن مبادرته بدعم النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية. وتحدّثت الأوساط نفسها، عن تحديات جمة ستبرز في الوقت الضائع سياسياً خلال الفترة الفاصلة عن موعد «الحوار الوطني» المقبل، والذي ستنضج معه ظروف المبادرة الفرنسية ـ الإيرانية، مشيرة إلى أن التحدي الأكبر سيكون حكومياً، بالإضافة إلى ملف العقوبات الأميركية على حزب الله، والذي ما زال معرّضاً للتفاعل رغم استقرار الوضع في الفترة الراهنة.
ومن ضمن هذا السياق، تقول الأوساط ذاتها، أن المعطيات المحيطة بزيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى بيروت، ستركّز على الملفات الإقليمية، وبشكل خاص ملف النازحين السوريين في لبنان، وذلك انطلاقاً من الدعم الدولي للحكومة اللبنانية.