Site icon IMLebanon

“غيبة” الشيعة

 

 

استراح اللبنانيون لقرار عودة “الثنائي الشيعي” إلى دورة الاجتماعات الوزارية، من دون أن يرتاحوا بالضرورة إلى ما حملَه هذا القرار من تبديل – ولو سيسقط في الممارسة – لبعض الصلاحيات الدستورية.

 

وهو فصلٌ جديد، مزيد، في ما شرعَ فيه هذا الثنائي، منذ ما يقرب من العشرين سنة، في تطويع الدستور اللبناني وغيره.

 

إلا أن ما يُقلق في هذه السلوكات (المدعومة والمسندة إلى قوة السلاح) لا يصيب فقط طبيعة النظام، ولكنه يبدل وضع الطائفة الشيعية في لبنان مؤكداً.

 

فهذه الطائفة – التي تشكلت كمكون سياسي في “حركة المحرومين” مع الإمام موسى الصدر- اتجهت معه صوب انخراط مزيد في التركيبة اللبنانية. وقد يكون “تغييبه” في ليبيا القذافي إشعاراً بما أصاب غيرها، اي كلفة الاتكال على قوى خارجية.

 

إلا أن “لبنانوية” الصدر تحولت، مع ورثته ومنافسيهم، إلى علاقات “عضوية” مع إيران الخمينية.

 

وما يقلق في هذا التحول الجاري هو انه لا يقتصر على “حلف” أو “مساندة”، وإنما يفعل فعله العميق في بنية الطائفة الشيعية. فمن يتابع تنشئة رجال الدين، قبل تنشئة العسكر، يتحقق من مسار مختلف لهذه الطائفة، بات يقصرها على وجهة دون غيرها في الفقه الشيعي. ومن يتابع الشعائر الدينية كما السياسية يتحقق أيضا من الاستنساخ المحلي لما بات النموذج المحتذى، أي الإيراني.

 

أما التراث الفقهي والثقافي والأدبي وغيره، الذي وضعه كثرة من المتأدبين الشيعة اللبنانيين، والذي تبلور في مناخات التعليم والثقافة في الدولة اللبنانية، فقد بات أشبه بجزيرة معزولة في متنٍ بات مخطوفا إلى خارجه.

 

والإشكال المأزقي هو ان “الثنائي” لا يبدل من وضع لبنان وحسب، بل يكاد أن يجعل من هذه الطائفة الأشد اغتراباً عن محددات عيشها وتاريخها وثقافتها وتقاليدها السابقة.

 

وإذا كانت “ولاية الفقيه” طلبتْ تقريب المسافة بين الشيعة والسياسة في الزمن الحاضر، فإنها تعني، في الحالة اللبنانية، مزيداً من التباعد بينها وبين مكونات لبنانية. ويبتدئ بذلك نوع من “الغيبة” الجديدة، وبكلفة سياسية باهظة، لهم ومع غيرهم من اللبنانيبن.

 

في حمّى الحرب في لبنان، أصدر رفيق الشعر والدراسة، الشاعر الراحل محمد العبد الله، كتاباً بعنوان : “حبيبتي الدولة”، شوقاً إلى الدولة اللبنانية التي كانت تتهاوى…

 

أيكون علي، وعلى غيري، اليوم، أن نتوجه إليهم بالقول: “أحبائي الشيعة، أين أنتم؟”.