IMLebanon

«ثنائيتان» شيعية ومسيحية تحاصران الثورة والحكومة!؟

 

 

عبَر اليوم السادس والأربعون على الانتفاضة والرابع والثلاثون على استقالة الحكومة، وما زال الرئيس سعد الحريري الأقرب الى السرايا والمهندس سمير الخطيب الأول في السباق اليها. وما هو لافت أنّ العاملَين في الطبخة الحكومية اثنان: ثنائية شيعية «قديمة»، ومسيحية «جديدة»، تحاصران الحريري، فباتت التشكيلة رهن تفاهم صعب بمعزل عن الغائبين عنها. وعليه طرح السؤال هل من مكان لمطالب الانتفاضة والمجتمع الدولي لدى الثنائية الجديدة؟

على قاعدة انّ ما قبل ثورة «17 تشرين « واستقالة «29 تشرين الأول» ليس كما بعدهما، يمكن ان ينطبق على الكثير من الأمور في لبنان، إلّا في ما خصّ التركيبة الحكومية الجديدة. فكلّ ما عبّرت عنه المشاورات الجارية حتى مساء أمس يدل بوضوح على أنّ الحديث عن تشكيلة حكومية «استثنائية» ولمرحلة «انتقالية» ما زال بعيد المنال. وإنّ كلّ ما هو مطروح حتى اللحظة لم يقارب بعد مطالب الثورة ولا مقتضيات الرعاية الدولية التي تنتظر خطوات جدية تلاقي إصرارها على حكومة فاعلة تستعيد الثقة الدولية والمحلية المفقودة بتركيبة الحكم في لبنان.

 

ليس في كلّ ما يقال في هذا المجال ما يدعو الى الاستغراب. ففي المعلومات المتداولة والمسرّبة عن حركة المشاورات الجارية ما يرفع منسوب القلق من استحالة الوصول الى مخرج يرضي الانتفاضة ويلبي سلسلة المعايير التي وضعها المجتمع الدولي ليستأنف برامج المساعدات والقروض المقررة للبنان. فهذا المجتمع ينتظر حكومة كاملة الأوصاف الدستورية للتعامل معها ودون ذلك مزيد من التريث في إمداد لبنان بما يحتاج اليه او ربما تجميده.

 

وهو ما سيدفع في حال العكس «قيادة الثورة» الى تجديد خططها ونشاطاتها وبناء استراتيجيات بعيدة المدى. فالمواجهة المحتملة إن وقعت ستكون طويلة وصعبة طالما أنّها تجري على «أرضية رخوة» مالياً ونقدياً واقتصادياً وسياسياً ويمكن أن تهتز في أيّ لحظة لصالح مرحلة من عدم الاستقرار.

 

وما يزيد الطين بلّة، إن احتسبت سلسلة الاستحقاقات السياسية المقدرة، وتلك الخطيرة المنتظرة على أكثر من مستوى دون إغفال المخاوف من إمكان استغلال الأزمة الاقتصادية والمالية لتتحول في جانب منها الى أمنية بامتياز، أو الى بروز حالات اجتماعية شبيهة بتلك التي شهدتها بلدة عرسال أول من أمس عندما انتحر أحد سكّانها هرباً من «دين محدود» يتجاوز بقليل الحدّ الأدنى للأجور المرشح ليكون مفقوداً لدى آلاف العائلات اللبنانية في وقت قريب.

 

وقبل الاسترسال في تقديم النماذج المتوقعة في أكثر من منطقة، وعلى أكثر من صعيد، تكفي العودة الى ما بلغته المشاورات الحكومية الجديدة لإلقاء الضوء على ما هو منتظر من محطات تزيد نسبة التشاؤم بإمكان الوصول الى مخارج لمسلسل الأزمات المتناسلة.

 

ففي الكواليس المقفلة مشاريع تسويات جديدة ورهانات لتوليفة حكومية تتجاوز وتستبعد جميع المواصفات التي وضعتها الانتفاضة وتنبئ باستحالة التفاهم مع الحريري المتمسك بطروحاته الصلبة الى النهايات التي تحول دون أيّ تفاهم ولأسباب متعددة، في وقت يدرك فيه الجميع خطورة ما بلغته الأزمة على خلفية الحصار الاقتصادي والمالي المضروب من الداخل والخارج في آن.

 

من الداخل حيث تحوّلت المنازل الى «صناديق مصرفية» خوفاً مما هو آتٍ على الصعيد النقدي ومن الخارج بما يشير الى توسّع العقوبات المفروضة على «حزب الله» لتطال شريحة أخرى من اللبنانيين وهو ما انعكس على الوضع العام المأزوم بمجمله.

 

وللتدليل على هذه النظرية يمكن التثبت منها، إن توقف المراقبون امام كلام رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد الذي أفصح عن توصيفه للصعوبات المالية بقوله: «المسألة ليست مسألة انّ البلد لا توجد فيه أموال، كلا توجد أموال، لكنها لا تأتي ونحن موجودون في السلطة».

 

وبعكس ما قال به «التوصيف الخطير» لرعد عن قصد او غير قصد فقد شكلت اشارته في الخطاب عينه الى انّ الأموال لن تأتي «إلّا عندما يأتي من له علاقات تبعية لقوى الخارج وموجود في السلطة»، إدانة غير مباشرة لشخص رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري. ولذلك ظهرالتناقض واضحاً بين ما قيل وإصرار رعد وفريقه على بقاء الحريري حيث هو رئيساً للحكومة الجديدة.

 

وليكون «شريكاً حكومياً» في مواجهة أزمة قاسية وصعبة «تسببت بها سياساته»، كما يعتقدون. على قاعدة ما يمكن اختصاره بمعادلة بسيطة تقول: «كما كان شريكاً في ما وصلنا اليه، عليه أن يبقى شريكاً في المواجهة»، وليعود عندها طوعاً الى الحصار الذي وجد نفسه فيه طيلة الفترة السابقة وتحديداً بين الثنائيتين الشيعية والمسيحية.

 

والى هذه المؤشرات التي يرصدها المراقبون بدقة، فقد زادت التسريبات عمّا بلغته المفاوضات مع المهندس سمير الخطيب حول توزيع الحقائب والحصص في الحكومة العتيدة من خطورة الابتعاد عما يطالب به الحراك والمجتمع الدولي متى كلف بتشكيلها. فمجرد الحديث عن توازنات حكومية تستنسخ التركيبة السابقة في غياب العديد من الفرقاء السابقين مثل «القوات اللبنانية» والاشتراكيين يعني أنّ الثنائي الجديد المتمثل ببعبدا والشالوحي سيكتسح التمثيل المسيحي فتقع المواجهة الكبرى والأكثر إيلاماً، مما جرى حتى اليوم.

 

فإن صحّ القول إنّ الخطيب صار «البديل الوحيد» للحريري، متى غاب كلياً عن مسار التكليف والتأليف، سيكون في موقع لا يحسد عليه ما لم يرفع الصوت عالياً للحفاظ على التوازنات المطلوبة حكومياً. وربما سيرى نفسه مضطرّاً للتنازل طوعاً عن التكليف للحريري أو لغيره متى تكرّرت التجرية التي يدعون الحريري الى تكرارها مرة أخرى.

 

ثمّة من يعترف ان «البازل» الحكومي كما يجري تركيبه، ينذر بكلّ النظريات السلبية فالوصول الى مرحلة تجاهل الحريري قد تمرّ على الحراك والمجتمع الدولي ولو بنسب متفاوتة، ولكن استمرار إنكار ما تغيّر بعد «ثورة 17 تشرين» يؤرق كثراً.

 

فالمخاوف تزداد على اكثر من صعيد، خصوصاً عند ما هو ناشئ حتى اليوم من خرق للدستور لجهة التريث في الاستشارات النيابية الملزمة الى حين تركيب الحكومة، عدا عمّا هو محتمل من مواقف سيؤدي اليها تجاهل المشرفين على الطبخة الحكومية الحراك وما يريده، وأدوار المكونات اللبنانية الأخرى، ولاسيّما المسيحية منها، فهل يمكن أن تمرّ حكومة تبعد عنها «القوات اللبنانية» شريكة التسوية السابقة مع العهد، والمسيحيون المستقلون؟

 

وهل يمكن ان يتجاوز التمثيل الدرزي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ليحصره بفريق آخر؟ وإن نجحت كلّ هذه المشاريع فهل من توصيف يمكن إطلاقه على الحكومة الجديدة؟ ومن أين سيأتي طابخوها بتوصيف تعجز عن توفيره القواميس العربية؟