عقد إجتماع خلال الاسبوع الماضي بين حركة «أمل» و«حزب الله» ضمن سياق سعيهما لإنتاج مقاربة سياسية وعملية موحّدة لخوض الانتخابات النيابية المقبلة. والقاعدة الأساس التي ترشد الطرفين في شأن روحيّة تعاملهما مع هذا الإستحقاق، هي تجسيد قرارهما المشترَك بالاتّفاق، وحتى «الاتّفاق على الخلاف» الذي قد يظهر بينهما في بعض الدوائر ذات الحساسيات الناتجة عن وجود تحالفات مع «الآخر» قد لا يكون لأيٍّ منهما النظرة نفسها اليه.
وتجدر الإشارة ضمن هذا السياق أنّ الإنتخابات النيابية بالنسبة الى قطبَي الثنائية الشيعية، تمثل محطةً لتأكيد متانة تجربة نموذج وحدتهما الاستراتيجية، وإثبات قدرات صمودها داخل تقلبات مناخات الواقع السياسي اللبناني، وأيضا تأكيد صورتها بصفتها خياراً استراتيجياً للطرفين تمّ تصميمُه لمواجهة تحدّياتٍ عاتية إقليمية وداخلية، وليس فقط لمجرد تلبية إحتياجات تكتيكية.
ما يميّز معادلة ثنائية «الحركة» و«الحزب» عن ثنائيات «تفاهم معراب» و«تفاهم كنيسة مار مخايل»، وحتى «التفاهم غير المكتوب»، بين الرئيسَين ميشال عون وسعد الحريري، والذي هناك دلالات عليه من خلال مفاعليه داخل إدارة الحكم، هو أنّ الأوّل لديه سقفين إقليميّين متّحدين، أي ايران وسوريا، إضافة الى كونه يلبّي حاجة وجودية لموقع الشيعة داخل المعادلة اللبنانية.
أما «تفاهم معراب» فلقد ثبت أنه تفاهم رئاسي ظرفي وليس كما وُصف بأنه رؤية مشترَكة لتحصين الوضع المسيحي في لبنان، فيما تجربة «تفاهم مار مخايل» أظهرته أنه إنعكاس لقوة علاقة الثقة بين رأسَي قمته (الرئيس ميشال عون والسيد حسن نصرالله)، غير أنّ ما تحتهما يشبه مبنى لا يزال بلا أساس او بنية تحتية. أضف أنّ تفاهم الحريري ـ عون، معرّض في أيّ لحظة للإنهيار في ظل متغيّرات إقليمية، قد تدفع أحد طرفيه الى التراجع عنه.
وبالعودة لما توصّلت لقاءاتُ «أمل» و«الحزب» في مجال درس استراتيجية إنتخابية موحّدة، فقد لفتت مصادر مطّلعة الى المعطيات الأساسية الآتية:
أولاً – لا تزال استراتيجية «أمل» و«الحزب» الانتخابية تحتاج الى مزيد من التداول في تفاصيلها النهائية وذلك نظراً لطبيعة القانون الانتخابي الجديد الذي يضع كل القوى السياسية أمام تحدٍّ غير مسبوق، خصوصاً لجهة طريقة بناء التحالفات ووضع هندسة ترشد توزيع الصوت التفضيلي داخل اللائحة الواحدة، وهذه تحدّيات كلها مستجدّة وليست هناك تجربة إنتخابية سابقة في شأنها. وضمن هذا المستوى، تواجه كل من «امل» و«الحزب» جملة أسئلة ليس من السهل حسمها بسهولة، وأهمها: هل يخوض الطرفان الانتخابات بلائحة واحدة في كل المناطق التي لديهما حضور فيها، أم إنه يجب درس كل منطقة إنتخابية على حدة لمعرفة ما إذا كان من الأفضل لمصلحة الطرفين خوض الانتخابات بلائحتين فيها لقطع الطريق على بروز لوائح اخرى منافِسة ومنعها من تحقيق حواصل انتخابية تمنحها فرصةً «لقنص مقاعد نيابية شيعية» على حساب «امل» و«الحزب».
والدائرة التي يدور النقاش الأكبر فيها حول هذه النقطة هي دائرة بعلبك ـ الهرمل، حيث «المناخ الاقتراعي النفسي» لدى ناخبيها قد يحتاج الى تشكيل لائحتين واحدة لـ«أمل» والثانية للحزب لمنع تسرّب اصوات أبناء العشائر فيها الى لوائح اخرى.
ثم هناك دوائر فيها حضور أقلّوي للشيعة ولـ«أمل» والحزب مثل زحلة وبعبدا وغيرهما، والسؤال كيف سيتمّ عكس صورة التحالف السياسي بين الطرفين انتخابياً فيها؟ وضمن أيّ معايير سياسية وإنتخابية؟
ثانياًـ وتكشف آخر اخبار التوافقات الانتخابية بين «أمل» والحزب عن تفاهمهما على التوزيعة الأوّلية الآتية بينهما: في دائرة بيروت الثانية كان هناك رأيٌ داخل اجواء ماكينات الطرفين تطرح علامة سؤال عمّا اذا كان «حزب الله» سيترك هذه الدائرة ومقعدَيها الشيعيّين، كما فعل في الانتخابات الماضية حيث فازت «أمل» بأحدهما (هاني قبيسي) والثاني ترك لتيار «المستقبل» (غازي يوسف).
هذه المرة يصرّ «حزب الله» على أن يكون له مرشح الى جانب مرشح «امل» عن المقعدَين الشيعيّين في بيروت الثانية. ويعلّل الحزب رغبته هذه في أنه خلال الانتخابات الماضية تخلّى عن مقعده الشيعي البيروتي نتيجة رغبته في تسهيل تسوية إنتخابية على صلة بدائرة أخرى، أما في هذه الانتخابات فهو معنيٌّ بتأمين حضور نيابي مباشر له في بيروت.
وعليه فإنّ قرار الطرفين المبدئي هو تشكيل لائحة واحدة ومشترَكة بينهما في دائرة بيروت الثانية تضمّ نواتها الصلبة «أمل» و«الحزب»، والحزب السوري القومي الإجتماعي (المقعد الإنجيلي)، وفي الغالب «الأحباش» (الدكتور عدنان طرابلسي).
ويحتم قرار الحزب تمثله بمقعد شيعي في بيروت الثانية، إجراء إعادة تقاسم المقعدَين الشيعيَّين بينه وبين «أمل» في دائرة بعبدا، حيث كان الحزب في الإنتخابات الماضية حصل على كليهما، وذلك كتعويض عن مقعده الشيعي في بيروت الثانية الذي جيّره لـ«أمل». وهناك معلوماتٌ تفيد أنّ حركة «أمل» سترشح عن مقعد بعبدا الشيعي الثاني طلال حاطوم.
وفي دائرة البقاع الغربي تمّ التوافق بين «أمل» والحزب على إعطاء مقعدها الشيعي لـ«امل»، في مقابل ترك المقعد الشيعي في زحلة لـ«حزب الله». حتى الآن تبحث «أمل» عن شخصية مناسبة لترشّحَها في البقاع الغربي، حيث إنّ فرصة قبلان قبلان الذي اعتبرته استطلاعات «أمل» المرشح المناسب عن هذه الدائرة، قد انقطعت لأنه لم يستقل من رئاسة مجلس الجنوب خلال المهلة الدستورية المحدّدة لشروط ترشّح الموظفين.
في دائرة الجنوب ذات المقاعد الشيعية الثمانية سيبقى القديم على قدمه، مع تعديل مطروح بشدة وهو نقل ترشيح هاني قبيسي من بيروت الثانية الى دائرة النبطية بدلاً من النائب عبد اللطيف الزين، على أن يحلّ محمد خواجة مكان قبيسي عن «أمل» في بيروت، فيما من المحتمل أن يعيدَ الحزب ترشيح الحاج امين شري عن مقعده الشيعي في بيروت.