المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى «غير مطابق للمواصفات». جمود وشغور يسيطران على كل هيكلية المجلس الذي «يمشي» اليوم تحت شعار «تسيير المرفق العام»، فيما الانتخابات معلّقة على «شمّاعة» عودة الانتظام الى مجلسي الوزراء والنواب لاخراجه من «الكوما»
الموقع الالكتروني للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، على شبكة الإنترنت، يشبه في جوانب كثيرة حال المجلس على أرض الواقع. تاريخ آخر معلومات أضيفت للموقع يعود الى 2005. أما التاريخ الأحدث في سجل الزوار وتفاعلاتهم فيعود إلى 2011!
الحاجة إلى «التحديث» تشمل كل ما يتعلق بالمجلس الذي أسسه الإمام موسى الصدر عام 1969 بهدف «تنظيم شؤون الطائفة وإشراك الشيعة في منتدى يضم كل مكوّناتهم».
في عهد الصدر، حتى تغييبه عام 1978، كانت الأنظمة تُطبّق بحذافيرها. عام 1969، انتخب الإمام المغيّب رئيساً لولاية من ست سنوات عملاً بقانون إنشاء المجلس. وفي عام 1975، نُظّمت الإنتخابات في موعدها، وأُعيد انتخابه رغم أنه فاز مع اثنين فقط من المحسوبين عليه بعضوية رئاسة المجلس. في تلك الدورة، وافقت الهيئة العامة على تحديد سن تقاعد رئيس المجلس بـ 65 عاماً. بعد تغييب الصدر ثم استقالة الشيخ سليمان اليحفوفي من منصب نائب رئيس المجلس، عين الشيخ محمد مهدي شمس الدين نائباً للرئيس. وفي عام 1994، انتخب شمس الدين رئيساً بعدما أنهى الصدر السن القانونية، وانتخب المفتي الجعفري الممتاز في حينه، الشيخ عبد الأمير قبلان، نائباً له. بوفاة شمس الدين، مطلع 2001، تولى قبلان تسيير شؤون المجلس من موقعه كنائب للرئيس. مُدّد له ولمجلسه وللهيئتين التنفيذية والشرعية مرتين، انتهت الثانية عام 2008. في ذلك العام، أنهى قبلان أيضاً السن القانونية (عُدّلت لاحقاً وأصبحت 72 عاماً)، لكنه لا يزال في منصبه. أصاب الشغور مقاعد عدة في الهيئتين التنفيذية والشرعية على مدى سنوات التمديد التلقائي. الأولى مؤلفة من النواب الشيعة الـ 28 (أعضاء حكميون من دون انتخاب) ومن 12 عضواً منتخباً. من المنتخبين، لم يبق سوى محمد ياسين ومحمد شعيتو والقاضي حسين حمدان. أما الهيئة الشرعية المؤلفة من 12 معمّماً منتخباً، فقد توفي من أعضائها السيد هاني فحص وهرم آخرون، فيما المجلس «صامد» على حاله.
ما هو التصنيف القانوني للمجلس المنتهية ولايته؟ «المجلس ليس منتهي الصلاحية» يؤكد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد عبد الأمير قبلان. «بحكم القانون، المجلس مرفق عام يجب أن يستمر العمل فيه»، مستنداً الى قرار مجلس شورى الدولة الذي رفض طعوناً تقدمت بها شخصيات شيعية ضد قانونية المجلس والقرارات الصادرة عنه. «حفاظاً على المؤسسة العامة ما فينا نوقف».
وثيقة تأسيس المجلس تشير الى أنه يسعى إلى «تحسين أوضاع الشيعة الإقتصادية والإجتماعية ورفع الحرمان ومحاربة الجهل والفقر والتخلف والظلم الإجتماعي والفساد الأخلاقي». نافذة مكتب قبلان، في مقره وسكن والده في بئر حسن، تكشف عن مشهد يوحي بأن ها هنا من تأسّس المجلس أصلاً من أجلهم: عمران عشوائي وأزقة ضيقة وبسطات وأسلاك كهرباء متشعبة بين السطوح والأعمدة ومياه مبتذلة راكدة في الزوايا.
يبدأ قبلان من المستجدات الأخيرة المتعلقة بقضية تغييب الصدر مع خطف هنيبعل، أصغر أبناء الزعيم الليبي معمر القذافي. هل لا يزال الصدر حياً؟ يجيب: «لا يمكننا أن نستبق الأمور، بخاصة أن المعطيات بأنه حي ليست دقيقة. فيما هناك قناعة بأن ما من دليل على أنه متوف»، لكن ماذا لو كان الصدر حياً، ما هو الوضع القانوني لرئاسة المجلس الحالي؟ يوضح أن الصدر «هو الرئيس المؤسس ورأس الطائفة بالتوصيف». أما بالنظام «فقد بلغ السن القانونية عام 1993 (مواليد عام 1928). ولهذا السبب انتخب الشيخ شمس الدين رئيساً أصيلاً بعد عام واحد».
لم تنظم الإنتخابات العامة في المجلس سوى مرة واحدة قبل أربعين عاماً
وإذا كان القانون يُطبّق بحذافيره على الصدر المغيب، فلماذا لا يطبق على الحاضرين؟ يوضح قبلان أنه بموجب مرسوم صادر عن مجلس النواب، أقرّ رفع سن تقاعد رئيس المجلس بشكل استثنائي الى 72 عاماً (المفتون وأمناء الفتوى يعيّنون مدى الحياة والقضاة الشرعيون يتقاعدون في سن الـ 68 عاماً). التعديل استفاد منه قبلان الأب، الذي أنهاها عام 2008. منذ ذلك الحين، يسير المجلس بتمديد ضمني. بند ولاية الست سنوات للرئيس في النظام الداخلي، لم يلحقه التعديل، فلماذا لا يعمل به ولماذا لم تنظم الإنتخابات العامة في المجلس سوى مرة واحدة قبل أربعين عاماً؟
في الأجواء الشيعية، يتردد بأن «لا مصلحة للجهة النافذة حالياً في المجلس أي حركة أمل بإجراء انتخابات، لكي لا تتغير مراكز القوى وحجم التمثيل». أما بالنسبة لحزب الله، فإنه «يفضل عدم الدخول في معركة داخل البيت الواحد في ظل الظروف الراهنة». أما قبلان فيرد سبب تأجيل الإنتخابات منذ 2008 إلى «الأوضاع الأمنية والإضطرابات السياسية وتوقف عمل مجلسي النواب والوزراء». ويجزم بأن التأجيل «لا يرغب به الرئيس نبيه بري وهو خارج عن إرادته». للخروج من الأزمة، ساد اقتراح مؤخراً، بحسب قبلان، «يقضي بالتمديد مجدداً للمجلس الحالي لفترة انتقالية غير طويلة، يحضر خلالها للإنتخابات من وضع نظام جديد ووضع لوائح الشطب للهيئة العامة الناخبة». ولكن، «لهلق ما في بوادر وما في شي. كل شيء متوقف بشأن المجلس الشيعي إلى حين تنتظم اجتماعات البرلمان والحكومة، لأن أي شيء يحتاج إلى قانون». ويخلص إلى أن «معالجة مؤسسة المجلس الشيعي مرتبطة بفتح مجلس النواب».
تعد لوائح الشطب للهيئة العامة الناخبة أكثر من 40 ألف شخص من موظفي الفئتين الأولى والثانية والوزراء والنواب الحاليين والسابقين والقضاة ورؤساء المجالس البلدية والصحافيين والنقابات، لكن لا إحصاءات بهؤلاء ولا لوائح شطب في المجلس منذ تأسيسه. حجم الهيئة كان مبرراً للبعض لإرجاء الإنتخابات لأن الظروف الأمنية والمكانية لا تحتمل تجمع الآلاف في وقت واحد. في هذا الإطار، انتشر اقتراح مؤخراً بتصغير الهيئة الناخبة، لكن قبلان يرفض الفكرة: «إبقاؤها بهذا الحجم يثري التنوع والتعددية والمشاركة داخل الطائفة»، أما في ما يتعلق باللوجستيات فيمكن أن توزّع الانتخابات على مراحل وأماكن.
كيف السبيل إلى الحفاظ على المؤسسة في ظل الشواغر الكثيرة؟ يقر قبلان بأن الإنتخابات ستكون فرصة لتعبئة الكثير من المناصب الشاغرة، ولا سيما في الهيئة التنفيذية التي بقي فيها 3 من أصل 12 عضواً. «لا مجال للتعيينات منذ انتهاء الولاية عام 2008 إلا بقانون. وهذا يطاول المفتين في الملاك العام وإقالة المفتين. على سبيل المثال، بعدما تقاعد رئيس المحاكم الشرعية الشيخ محمد عواد قبل خمسة أشهر، عين بالنظام الأقدم رتبة من بعده الشيخ محمد كنعان، إلى حين تعيين أصيل بقرار حكومي».
الشواغر لا تؤثر في عمل المحاكم الشرعية والأوقاف اللتين لهما نظام خاص، لكن الجمود العام، يؤثر في تطوير المجلس. يستعرض قبلان الصعوبات بسبب عدم انتظام عمل البرلمان والحكومة، لكون المجلس تابعا لمجلس الوزراء. «وينيي الدولة»، هنا أيضاً؟
أعضاء بقوة الأمر الواقع
عملاً بالنظام الداخلي للمجلس، فإن عضو كتلة «لبنان أولاً» عقاب صقر عضو في الهيئة التنفيذية في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى. زميله في كتلة المستقبل أمين وهبة عضو أيضاً. إبراهيم شمس الدين عضو في الهيئة العامة لكونه وزيراً سابقاً وكان يحق له حضور اجتماعات المجلس إذا عُقدت، عندما كان في الوزارة، لكن ذلك التنوع السياسي، لا يبلغ طريق المطار حيث مقر المجلس. يسود انطباع بالنفوذ الغالب للرئيس نبيه بري على المجلس وآل قبلان وقبلهم الشيخ محمد مهدي شمس الدين. تلك التبعية المفترضة أثارت اعتراضات واسعة، منها وصل إلى شورى الدولة ومنها إلى رئاسة مجلس الوزراء لكونه سلطة الوصاية على المجلس. عام 2012 ، قدم مستقلون ومشايخ استدعاء يطالب بالقيام بمراجعة إدارية ومالية لأوضاع المجلس، ولا سيما الإيرادات التي تؤمنها الجامعة الإسلامية ومستشفى الزهراء، وبمراجعة قانونية بسبب تأجيل الإنتخابات. قيل حينها إن ضغوطاً سياسية منعت تسجيل الإستدعاء في ديوان رئاسة الحكومة والنظر فيه.