IMLebanon

القوس السنّي يقطع الهلال الشيعيّ عبر سوريا! 

 

اعتبر المحلّلون تاريخ الثامن من كانون الأول /ديسمبر/ عام 2024، تاريخاً مفصليّاً ليس في كتاب سوريا وحدها بل وفي كتاب الشرق الأوسط كلّه. إنه نقطة فاصلة بين رؤيتين وتوجّهين وأسلوبين في العمل السياسي والممارسة السياسية، في الإيمان الديني ببعديه العقائدي والطوائفي. وتحديداً في فرعيّ الإسلام: السنّي – الشيعيّ. ذلك أن الصراع على الساحة الإسلاميّة، وبين المسلمين وغير المسلمين يتخذ دائماً منحى أيديولوجياً على علاقة حتميّة ومؤكّدة بين الرؤية الدينيّة والخصوصيّة المذهبيّة في الدين الواحد.

 

 

 

– لذا كان محور الصراع بين المسلمين في تاريخ الإسلام قائماً على ثنائيّة: الولي المتغلّب لدى السنّة والولي الفقيه لدى الشيعة. ولقد تمّ تجسيد هذا المنحى في حركات وأحزاب عقائدية تعمل وتنشط لتحقيق الغلبة المذهبيّة – السياسيّة على الصعيد الداخلي (الجماعة)، والصعيد المحلي (الدولة)، والصعيد الإقليمي (العالم العربو-فارسي) والصعيد العالمي (الإسلام والأسرة الدولية).

 

 

 

1- وفي عودة إلى ما جرى في سوريا مؤخراً والذي رأى فيه الكثيرون انقلاباً قام به الإسلام السنّي بهدف تطويق الدور الإيراني/ الشيعي في المنطقة، وذلك انطلاقاً من النقطة الأسهل على الاختراق ألا وهي الدولة السورية بنظامها العلوي. فمن الواضح أن الهلال الشيعي يشمل الخط ما بين طهران مروراً بالعراق وسوريا، وصولاً الى لبنان و”حزب الله” على المتوسط. في حين أن القوس السنّي يمتد من تركيا شمالاً مروراً بسوريا التي سكانها هم في 70% منهم عرب سنّة ومن ثم لبنان وفلسطين وصولاً إلى مصر جنوباً.

 

2- بعد نجاح إيران بواسطة أذرعها الشيعيّة المحليّة في السيطرة على أربع عواصم عربية، بدأ الانتقال من زمن التمدّد إلى زمن الجمود والتراجع. وفي هذا نشير إلى عاملين مهمّين لطالما أثّرا على السياسة الإيرانية ألا وهما:

 

أ) موقع إيران الجغرافي الذي يخلق لها المشاكل السياسية. فهي في منتصف الطريق بين الروس شمالاً والإنكليز (ومن ثم الأميركيين) جنوباً. وفي وسط العالم الإسلامي بين العرب غرباً والكتلة الأندو-صينية شرقاً. فهي بالتالي مفترق طرق استراتيجي في وسط آسيا لذا قيل: إن مركزيّة الجغرافيا وضعت الشعب الإيراني في قدريّة التاريخ .

 

 

 

ب) عقدة النقص التي تعاني منها إيران بسبب تركيبتها الديمغرافية كأقلية إسلامية شيعية بين أكثرية إسلامية سنيّة. وتجمع كتب الدراسات الاستراتيجية على أن عدد الشيعة بين المسلمين لا يتجاوز نسبة 15% في حين أن نسبة 85% هم من السنّة. لذا يسعى الإيرانيون كي يثبتوا بالفعل والعمل أنهم يمثّلون دوراً في الإسلام أكبر من عددهم، وهذا يفسّر تشديدهم وإصرارهم على الالتزام بالقضية الفلسطينية كونها القضية الإسلامية الأولى في العالم.

 

 

 

ج) وإن إصرار إيران سراً وعلناً على الوصول إلى امتلاك سلاح نووي يدخل ضمن هذا الإطار أيضاً. فهي توّد أن تؤكد أنها تملك القوة العسكرية الأبرز لدى المسلمين.

 

 

 

3- في النتائج، يكاد يكون من المبكر الحديث عن النتائج التي أسفر عنها الانقلاب في سوريا، ولكن النتائج الكبرى والواضحة يمكن اختصارها كما يلي:

 

– على الصعيد الإقليمي: توجيه ضربة للتمدّد الروسي – الصيني إلى المنطقة باعتبار أن إيران كانت مدخلاً لمثل هذا التمدّد الثنائي.

 

 

 

– على الصعيد المحلي: انعكس الانقلاب سلباً على أوضاع دول المنطقة التي كانت تسير في الفلك الإيراني: إيران نفسها وسوريا ولبنان وفلسطين. وكشف في الوقت عينه زيف الشعارات العقائدية بما فيها البعث والعروبة والوحدة.

 

 

 

– على الصعيد الدولاتي: كشف عن عمق المأساة التي كان يحياها الشعب السوري في أقبية السجون المكلّسة. وأعطى واحدة من أسوأ الصور والمشاهد عن دولة العنف والظلم وبؤر الارهاب، وهي أمور لم تنجل بعد كافة تفاصيلها.

 

 

 

اعترف أن الكثيرين من المواطنين اللبنانيين وسواهم، قد صدموا وهم يتابعون ما يكشفه الانقلاب في الشام. ذلك أنه ليس انقلاباً في دولة فقط هي سوريا بل هو قبل ذلك، وبعد ذلك، انقلاب يحدث في قلوب وعقول مختلف المواطنين في سوريا ولبنان والدول العربية، وحتى لدى دول العالم. وإذ نتمنى أن يكون هذ الانقلاب مدخلاً إلى عهد جديد من حياتنا الوطنية، نأمل أن يساعد في رسم الخطوط العريضة لمسار دولتنا وشعبنا وشعوب المنطقة في المستقبل القريب والبعيد. ونحن في هذا الظرف لا نهاجم أو نشمت، بل نصلّي وندعو لأن يلهم الربّ الإله جميع المسؤولين عن شعبنا وشعوب العالم، كي يعملوا بنصيحة البابا راتزنغر بأن «يروا صحيحاً ويروا بعيداً» وأن «يدافعوا عن الكرامة الإنسانية لأنّها محور الخُلقيّة المسيحية».