بهمة الثنائي ودعم دار الفتوى جمّد الرئيس المكلف سعد الحريري اعتذاره مفسحاً في المجال امام مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري وتدوير الزوايا بشأنها، لعل مساعي اللحظات الاخيرة تفي غرضها. لكن الأمل بذلك يبدو ضعيفاً، وما حفلت به الساعات الماضية من تمسك بالحريري والحؤول دون اعتذاره شكل ضربة لـ”التيار الوطني الحر” ورئيسه، الذي بات مؤمناً باستحالة قدرة الحريري على تشكيل الحكومة ولذا سيحجب الثقة عنه في مجلس النواب. وهنا أصل المشكلة وأساسها وهو ما سيعمل عليه الثنائي المستاء ضمناً من موقف باسيل ولا يعفيه مع الحريري من مسؤولية التعطيل.
بين الرئيس المكلف سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ترجح كفة الثنائي الشيعي باتجاه الاول على حساب الثاني ولو آثرت عدم المجاهرة بذلك. لكن اعتبارات التمسك بالحريري تختلف ما بين “حزب الله” وبري ايضاً. قبل سنة ونصف وقف بري معلناً انه على استعداد لان يأتي للحريري بلبن العصفور. قالها للحريري الابن صراحة: “لم يسبق وان وقفت هذا الموقف حتى مع رفيق الحريري”. بعد ذلك ابتعد الحريري عن بري وانقطعت الخطوط بين عين التينة وبيت الوسط. كان سلوك الحريري مثار انتقاد حلفائه على خلفية تعاطيه مع رئيس المجلس لانه، بحسبهم، لم يبادل الود بمثله. مرت الايام وتفاقمت الأزمة ولم يبق للحريري الا بري و”حزب الله”، يتمسكان بتكليفه لتشكيل الحكومة رغم المآخذ على أدائه السياسي. بري يتمسك بالحريري كي لا ينتصر باسيل بينما لا يريد “حزب الله” حلاً على حساب باسيل فما الحل اذاً؟ نمنع اعتذار الحريري ونستمر بالتفاوض مع باسيل.
عندما تسأل لماذا يتمسك الثنائي الشيعي بالحريري يكون الجواب ومن البديل عنه؟ يتعظ الثنائي من تجربة حكومة حسان دياب وتكليفه الذي حصل من دون مظلة سنية تتبناه، فاذا بها تصطدم بعوائق داخلية وخارجية وتنتهي بالاستقالة. يتجنب الثنائي تجربة دياب جديدة ولذا لا يريد للحريري ان يعتذر ويتمسك بتكليفه الا في حال تم الاتفاق مسبقاً على البديل وهذه مهمة مستحيلة، لا سيما بعد اجماع دار الفتوى ومفتيها على الحريري وقطع الطريق على اي مرشح محتمل دونه. اذاً، هو فشل الاتفاق على البديل يقف خلف التمسك بالحريري فضلاً عن شرعيته داخل طائفته التي كرسته زعيماً في الوسط السني وبوصفه رئيس اكبر تكتل نيابي سني.
السبب الثاني هو الفتنة السنية الشيعية. حيث يصر الثنائي على تجنب وقوع مشكلة سنية شيعية وترجمة مثل هذا الاحتقان في الشارع المهيّأ للتفلت، خاصة في ظل التوتر السني المسيحي على خلفية صلاحيات تشكيل الحكومة والاشتباك بين رئيسي الجمهورية والرئيس المكلف.
السبب الثالث والأهم لا سيما من ناحية رئيس مجلس النواب، ان لا مصلحة بكسر الحريري على حساب تكبير حجم باسيل سياسياً ودغدغة زعامته المسيحية على ابواب الانتخابات النيابية. بمعنى آخر ان التمسك بالحريري في جانب من الجوانب هو نكاية بباسيل وكي لا يخرج منتصراً على الحريري فيساهم الثنائي بكسر زعيم السنة لصالح الزعيم المسيحي. لذا لا بري ولا “حزب الله” في وارد نصح الحريري بالاعتذار طالما ان الاخير ليس في وارد تسمية البديل عنه.
فالثنائي الشيعي لم يعد يتحمل فكرة اعتذار الحريري دون الاتفاق على البديل ورغم كثرة حلفائه لكنه يبدو عاجزاً عن تبني اي منهم. حتى “حزب الله” الذي كبرت كرة عتب حلفائه عليه لتمسكه بالحريري لا يجد نفسه ملزماً بالضغط عليه للاعتذار، ويتفهم ان دعمه للحريري يغضب حليفه رئيس “التيار الوطني الحر” والعهد ولكن لا حول ولا قوة.
بالاضافة لذلك فلا سقف زمنياً لدعم الثنائي للحريري، فالامر قد يمتد حتى آخر العهد. وهنا ايضاً لا بد من تلمس تمايز بين الثنائي “حزب الله- أمل”. يبدو الاول محرجاً لان رصيد العهد الذي يدعمه قارب على نهايته بينما يقف عاجزاً عن دعمه، بينما لا يجد الثاني مصلحة له بدعم عهد على خصومة معه بدليل انقطاع لقاء الاربعاء المعتاد منذ فترة طويلة.
تبرير لا يرضي الكثيرين ممن يصرون على ان الحريري بات عاجزاً عن ادارة البلاد. هؤلاء وان تجنبوا فتح صفحات الماضي لكنهم لم يغفروا للحريري بعد تسويته مع باسيل وتغاضيه عن صلاحيات رئاسة الحكومة حينذاك. في هذه الجمهورية المنهارة من يخفي عتباً وخشية من الحريري الذي لو كان انصت لنصائح بري منذ البداية لجنب البلد ما وصلنا اليه اليوم، ولم يعد يثق بقدرة الحريري على ادارة البلاد رغم تقديره لموقف رئيس المجلس وحساباته التي عادة لا تخطئ، ولذا فلا ضير ان يتحدث بري باسم “الاشتراكي” و”المردة” مؤكداً رغبتهما باستمرار الحريري مكلفاً. هؤلاء يهمهم دعم بري ويلاقونه في مخاوفه على أمل الا يكون استثماره في ارض قاحلة