Site icon IMLebanon

لعنة “الفيتوكراسي”

 

 

ليس إصرار “الثنائي الشيعي” على “قبع” المحقق العدلي في تفجير المرفأ طارق البيطار قصة عناد طرف قوي لا يقبل التراجع. ولا هو مطلب من دون ثمن كبير يدفعه لبنان واللبنانيون في أمور أساسية: شلّ التحقيق في جريمة العصر، تعطيل الحكومة التي بدت خارج اللعبة، العجز حتى عن السير خطوة واحدة على طريق التعافي وارتفاع موجة الحساسية والعصبيات الطائفية والمذهبية. ولا أحد يصرّ على ما يقود الى كل ذلك إن لم يكن يعرف أكثر مما يعرفه المحقق ولديه هاجس كبير أو رهان على شيء كبير. ولا أحد يجهل أن إجبار لبنان على دفع هذا الثمن الكبير يعني القضاء على أي أمل له في الإنقاذ لحماية عدد من الوزراء من القضاء، بحجة الإستعداد للمثول أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. فالكل يعرف أن الطريق إليه مقطوع عملياً في البرلمان لأن الإتهام فقط يحتاج الى ثلثي أصوات النواب.

 

من الأقوال الفرنسية الشهيرة أنه “إذا كانت الموسيقى العسكرية موسيقى، يكون القضاء العسكري قضاء”. ومن المفارقات أن الذين يتهمون المحقق العدلي بـ”التسييس والإستنسابية”وهم يمارسون أكبر تدخل سياسي في القضاء، مرتاحون الى القضاء العسكري في أحداث الطيونة-عين الرمانة التي لولا ما رافق التظاهر ضد المحقق العدلي لما حدثت، ولا يعبأون بشكوى الطرف الآخر من التسييس.

 

لكن مشكلة لبنان في الواقع أكبر بكثير. فالبلد وأهله ضحايا ثلاث جرائم سياسية، لا أحد من مرتكبيها يدفع الثمن. جريمة دفع لبنان الى أعمق هاوية أزمات مالية وإقتصادية وإجتماعية وسياسية ووطنية. جريمة السطو على المال العام والخاص، وترك المصارف بقيادة المصرف المركزي تحتجز ودائع الناس وتسدد خسائرها على حساب المودعين وترسل أرباحها الى الخارج. وجريمة سد الطريق على أية محاولة لإخراج لبنان من الهاوية، وحماية المافيا السياسية والمالية والميليشيوية من أية محاسبة.

 

وقمة التزوير هي التلاعب بالدستور والميثاق، بحيث يبدو الواضح غامضاً ويسمح بالتأويل غب الطلب. فالمضمون الجوهري والمختصر للميثاق هو عهد العيش المشترك. والميثاقية هي إدارة العيش المشترك، حيث “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، كما في مقدمة الدستور. وأي سوء في إدارة العيش المشترك هو خروج عن الميثاقية. وأي حساب للميثاقية كأنها عملية ميكانيكية هو سوء فهم لها بالجهل أو بالقصد. وهذا ما نعانيه في هذه الأيام عبر سياسة التعطيل. فما نسميها “الديموقراطية التوافقية” صارت عملياً نوعاً من “الفيتوكراسي”. إذ يستطيع طرف واحد تعطيل السلطة والدولة عبر استخدام “الفيتو” الطائفي أو المذهبي. وما إنتهى إليه مفهوم الوفاق الوطني هو موافقة الجميع على ما يفرضه طرف واحد.

 

والسؤال حول رؤية الغابة أو الشجرة التي تحجبها هو: هل نستطيع”رؤية الشجرة والغابة في الوقت نفسه”، حسب ميلان كونديرا؟