IMLebanon

“ميثاقية” التعطيل ولبنان المتروك لقدره

 

معاودة المحادثات النووية في فيينا محكومة بثلاث سرعات زمنية مختلفة على ثلاث ساعات في سباق واحد: ساعة أميركية سريعة جداً تُسابق الوقت. ساعة إيرانية بطيئة جداً. وساعة عربية وإقليمية متوقفة عند الخوف من إتفاق تراه كارثة. ولا شيء يوحي أن معاودة المحادثات بوليصة ضمان للعودة الى التزامات الإتفاق النووي. ولا شيء يوحي أيضاً أن العودة الى الإتفاق، إذا حدثت بمعجزة، ستكون جزءاً من صفقة تشمل الصواريخ الباليستية والمسيّرات والنفوذ الإيراني “المزعزع للإستقرار”، أو ستقود الى صفقة إقليمية ودولية أوسع تعيد تشكيل الشرق الأوسط وترتيب الأدوار فيه. لكن كل شيء يوحي أن لبنان الممسوك كورقة على طاولة التفاوض ليس جزءاً من الصفقة إذا حدثت. أولاً لأن استعادة لبنان من خاطفيه ضمن صفقة جيدة يحلم بها المتفائلون هنا لها ثمن لا قوة خارجية مستعدة لدفعه الى جمهورية الملالي في إيران. وثانياً لأن لبنان في حسابات الملالي جزء مهم مع سوريا والعراق واليمن من المشروع الإقليمي الإيراني، حيث الرهان المتفائل أيضاً على أن مستقبل المنطقة للمشروع. والمنطق هو أنه لا حاجة الى صفقة مع أحد لأن الحرس الثوري يحكم أربع عواصم عربية بواسطة وكلائه من الميليشيات.

 

وليس أمراً قليل الدلالات أن تمارس طهران وميليشياتها “التنمر” على أميركا المنقسمة في الداخل والمعطوبة صدقيتها في الخارج والراغبة في تخفيف إلتزاماتها في الشرق الأوسط للتركيز على الشرق الأقصى. ولا طبعاً أن يهدد “حزب الله”بإغلاق نافذة الفرصة الوحيدة المفتوحة أمام التغيير في لبنان عبر الإنتخابات النيابية. إذ يصر إما على منع تغيير الأكثرية التي يتحكم بها، وإما على منع الأكثرية المفترضة من الحكم. ورأيه هو أن السلاح أقوى من الأكثرية وما يخرج من صناديق الإقتراع. تماماً مثل مبدأ ماوتسي تونغ القائل:” السلطة تنبع من فوهة البندقية”.

 

ومن هنا إصرار “الثنائي الشيعي”على الإستمرار في تعطيل مجلس الوزراء ومصالح الناس حتى تحقيق مطلب سياسي: “قبع” المحقق العدلي طارق البيطار. والمعنى البسيط لذلك هو منع الوصول الى الحقيقة في انفجار المرفأ، وتكريس التعسف في استخدام السلطة، بحيث يتحكم القدر بالقضاء. فضلاً عن أن التسوية المقترحة تبدو بمفاعيلها أسوأ من الأزمة، وفضلاً أيضاً عن أن سياسة التعطيل تحت عنوان الميثاقية هي عملياً تعطيل للميثاقية نفسها عبر التصرف كأن الميثاق الوطني قطعة من المطاط قابلة للشد والرخي حسب المصلحة. أليس تعطيل الحد الأدنى من عمل السلطة الضروري في بلد ينهار لفرض موقف في مصلحة طرف مذهبي على بقية المذاهب والطوائف يناقض عملياً “ميثاق العيش المشترك”الذي نص الدستور على أنه “لا شرعية لأي سلطة”تمارسه؟

 

المخيف أن ينطبق على السياسة في لبنان قول هنري أدامز: “السياسة العملية تكمن في إنكار الحقائق”.