IMLebanon

الثنائي الشيعي يبيع الوهم: عودة مشروطة للحكومة وضربة للدستور

 

الأَسر مستمر.. ولا موازنة بدون استعادة علاقات لبنان الخليجية

 

«رَفـَعـُوا السِّكِّينَ عن وريد حكومتهم، وبقي المسدس والبندقية واللّغم والرشاش والهاون والمدفع والصاروخ، والجفت والمجوز السوبربوزيه». بهذا الوصف الدقيق والعميق، اختصر النائب السابق جواد بولس إعلان قرار الثنائي الشيعي «العودة إلى المشاركة في أعمال مجلس الوزراء من أجل إقرار الموازنة العامة للدولة، ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي».

 

اللاّفت في المشهد السياسي الطاغي أنّ تناسل الأزمات أنسى الرأي الناس حقيقة أنّ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، هي حكومة الأغلبية السياسية التي تشهد كلّ هذه الانقسامات، وقد شكّلها «حزب الله» وحليفه الرئيس نبيه بري، مع الرئيس ميشال عون وصهره النائب جبران جبران باسيل، وذهب الذهول السياسي للبعض إلى التفكير للحظات تخلٍّ عابرة، أنّ الحكومة فيها نبضٌ من حيوية ولديها هامش مناورة بالحدّ الأدنى من متطلبات الحكم.. لكنّ الوقائع تتابعت لتؤكد أنّ هذه حكومة «حزب الله» وأغلبيته السياسية الموسومة بالارتباط بالقرار الإيراني خارجياً، وبالخضوع لمعادلات الصفقات والفساد داخلياً.

 

غير أنّ أسوأ ما في هذا المشهد هو تدشين الثنائي الشيعي حملة دعاية وهمية تحاول أن تُقنع اللبنانيين بأنّ «حزب الله» وحركة أمل، اتخذا قرار العودة المشروطة إلى الحكومة، «حتى لا يحمّلنا أحد المسؤولية عن تعطيل البلد» وفي إطار «البحث عن حلول ومعالجات، لأنه إذا كانت عدم المشاركة تترك الوضع المالي والاقتصادي يتأزم فنحن حاضرون لنذهب إلى هذا الخيار بالمشاركة من أجل الناس، لأن الأولوية عندنا للقضايا الملحة للناس في الجوانب المالية والاقتصادية» على حدّ تعبير النائب حسن فضل الله.

 

من جهته، قال النائب قاسم هاشم بوضوح إنّ «العودة الى مجلس الوزراء محصورة بالموازنة ونحن في انتظار أن تُفتح أبواب الموازنة ليتبين لنا أين تكمن بنود الخلل وامكانية التعاطي معها بنوايا اصلاحية على كل المستويات».، معتبراً أنّ «هذه الخطوة لتؤكد حرص الثنائي على مصلحة لبنان واللبنانيين».

 

يكشف هذا الخطاب مستوى الوقاحة في خطاب فريق أعلن على الملأ مراراً وتكراراً أنّه يعمل على تعطيل البلد لـ»قبع» القاضي البيطار، وكاد أن يتسبّب بحرب أهلية مصغّرة في الطيونة – عين الرمانة.

 

المحامي الدكتور محمد نديم الجسر، علّق لـ«اللواء» على هذا القرار بالآتي:

 

أولاً: إنّ قرار العودة إلى الحكومة، هو عودة إلى الصواب. فالإعتراض على إداء قاض في قضية ما لا يُبرِّر تعطيل مجلس الوزراء بأيّ شكلٍ من الأشكال.

 

ثانياً: أنّ الموافقة أتت على أثر كف يد القاضي طارق البيطار عملياً، وليس قانونياً، بعد أن بات متعذّراً انعقادُ الهيئة العامة لمحكمة التمييز بسبب إحالة أحد أعضائها إلى التقاعد.

 

ثالثاً: سيتمّ البحثُ في أمورٍ هامة غير الموازنة حتماً، وسيكتفي وزراءُ الثنائي، إما بأبداء تحفظهم أو الإنسحاب بدون إثارة مهزلة الميثاقية.

 

رابعاً: إنّ موافقة الثنائي على العودة الى طاولة مجلس الوزراء خطوة إستباقية لما يُرسم في الإجتماعات غير المعلنة بين كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وإيران من ناحية، وبين إيران والسعودية من ناحية أخرى.»

 

الخبير الدستوري المحامي أنطوان صفير رأى في حديث لـ«اللواء» أنّ الأمور لا تزال تراوح مكانها في قلب دائرة التعطيل، وأنّ مجلس الوزراء يجب أن ينعقد وأيّ ممارسة خارج هذا الإطار هي مخالفة دستورية، وأيّ خلافٍ تجري معالجته داخل الحكومة، ولا يجوز تعطيل أعمالها بأي شكل من الأشكال.

 

مصادر قانونية فصّلت في مقاربة خطوة الثنائي الشيعي بالقول: إنّ المقاطعة لأعمال الحكومة غير مبرّرة لا من الناحية الدستورية ولا من الناحية القانونية، وكلّ ما يتفرّع عنها غير قانوني وغير دستوري، وبالتالي فإنّ الرجوع إلى الحكومة تحت شروط معينة، يؤكّد التلاعب بالدستور، ومن يقومون بهذه الهرطقات لا يزالون يتحرّكون في مروحة المخالفات الدستورية.

 

وتسرد المصادر إشكاليات الخروقات الدستورية المتراكمة، فتشير إلى أنّ الحياة الدستورية عانت من انتهاكات وبدع كثيرة، أهمها بدعة الميثاقية، وإدخالها على أعمال مجلس النواب ومجلس الوزراء، ثم إسقاطها على سائر القرارات والتعيينات، على سبيل الابتزاز والتعطيل، هبوطاً حتى حراس الأحراج، فلا يوجد في الدستور أيّ إشارة إلى هذه الهرطقات، ليخلص إلى أنّ ما نشهده هو أشكالٌ مختلفة من الضغوط لتحقيق مكاسب سياسية أو وظيفية تحت ذريعة الميثاقية.. ومن عجائب العمل الحكومي أن يتحوّل إلى حلبة تحرّكات فردية، وأن نعود إلى موضة المراسيم الطيارة، بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وهذا مسار لا يمكن الاستمرار فيه إطلاقاً.

 

يؤكّد خبراء دستوريون أنّ العمل الحكومي هو كُلٌّ لا يتجزّأ، وهو غير قابل للتجزئة لا في السياسة ولا في القانون، ولا يمكن قبول مشاركة الوزراء في أعمالٍ معيّنة والامتناع عن العمل الحكومي في ملفات أخرى، لأنّ عمل الحكومة هو واجب، وليس عملاً انتقائياً، يخضع لمزاج الأطراف السياسية في ظل اختلافها وتنازعها وعدم اتفاقها على أيّ ملفّ مطروح.. والحكومة عندما ارتضت لنفسها أن تتشكّل، كانت تعرف لماذا نشأت وماذا عليها أن تفعل، وماذا لديها على جدول أعمالها (بيانها الوزاري) حتى نالت الثقة من مجلس النواب، وحتى الآن لم يتحقّق منه شيء، بل على العكس، صدر من بعض وزرائها مواقف أساءت لعلاقات لبنان العربية، كما كان الحال مع وزير الإعلام المستقال، الذي افتتح حملات الإساءة لمحيطنا العربي، ليقع البلد في مزيد من التدهور الاقتصادي مع قطع دول الخليج علاقاتها الاقتصادية مع لبنان.

 

وسأل مرجعٌ دستوريّ: «هل المطلوب من الحكومة فقط دراسةُ وإقرار الموازنة، أم أنّه مطلوب منها معالجةُ ملفات الأمن وحاجات القوى العسكرية، وشؤون الصحة مع تعرّض العالم للمزيد من متحوِّرات كورونا مع وصول المستشفيات إلى حالة العجز عن استقبال المرضى؟»، متسائلاً: ما هذا العمل الحكومي المرهون لقرارات ومصالح ثنائي يعلن صراحة عن ولائه للنظام الإيراني، فأين أصبحت دعاوى الاختصاص والاستقلالية للوزراء بعد أن أثبتت الأحداث أنّ كلّ واحدٍ منهم مرهون للأحزاب المكوِّنة للحكومة.

 

يؤكد المرجع أنّ واجب الحكومة الآن إعادة الاعتبار إلى علاقات لبنان العربية الطبيعية، وإعادته إلى خريطة الاهتمام العربية بعد أن أصبح مطروداً منها، وخاضعاً للمقاطعة والنبذ والاتهام بالإرهاب، مشدِّداً على أنّه لا يمكن استكمال أيّ موازنة للحكومة من دون استعادة علاقات لبنان العربية، والخليجية منها تحديداً، لأنّ استمرار منع تصدير المنتجات اللبنانية إلى السعودية وعدد من دول الخليج، يحرم لبنان من موارد مالية أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، وهي تعتبر من مقوِّمات الاقتصاد اللبناني، إضافة إلى ضرورة استعادة السياحة العربية التي تعتبر أحد أعمدة اقتصادنا الوطني، فكيف يمكن الحديث عن موازنة ولبنان محروم من نافذة تصديره الأهمّ ومن سياحته الرائدة؟

 

عودة الثنائي الشيعي هي عودة على القطعة ولا يمكن اعتبارها فكاً جدياً لأسر الحكومة التي لا تزال مقيدة، بينما يكمن جبران باسيل على الجانب الآخر ليهدِّد بطرح الثقة بالحكومة في مجلس النواب، فهل يكمل باسيل هذه المرحلة من التعطيل بعد أن أخذ الثنائي استراحة المحارب؟!