هذا الثنائي الشيعي، شاغلُ الأحداث والناس، إذا شاء كاتبٌ سياسي أن يتخطّى حركَتهُ يكون الموضوعُ عنده خارجاً على الموضوع.
لا تنديداً ولا تـودُّداً، نعم: إنّ هذا الثنائي لم يعُـدْ يمثّل طائفةً من المحرومين، وفي هذا اللبنان المحروم، بقدر ما أصبح الكحْلُ في عينيه أفضلَ من العمى.
تعالَوا نسلِّم: بأنَّ هذا الثنائي الشيعي، بما يتمتّع بـهِ منْ وحدةٍ متماسكة وطاقة متفوِّقة – فضلاً عن نِعْمةِ مار مخايل (1) وقداسة الحبر الأعظم «بابـا» القصر – بات يمسك بمعظم مفاصل الدولة ومؤسّساتها، والمرافئ والمرافق والمعابر، والقرارات والإنتخابات والتعيينات.. وأنَّ قطار الدولة، لا ينطلق ولا يتوقّف إلاّ بإشارةٍ مِـنْ إصبع.
ولكن، قبل أنْ تطرحوا سؤال الإستعجاب، هل تسألون عن الأسباب…؟ وهل يصحّ أن نقول استطراداً: «وتشبّهوا إنْ لم تكونوا مثلهم…»
الثنائي الشيعي تعرّض في بداية انطلاقته إلى ما يُعرف بالتجربة المارونية، فخاض نوعاً من المواجهة الذاتية ، ما لبثَتْ أنْ خضعَتْ للحسْم، مستعظماً هـولَ المغامرة، ومستلهماً قول الإمام علي بـن أبي طالب :
«عاتبْ أخاكَ بالإحسانِ إليهِ واردُدْ شَـرَّهُ بالإنعامِ عليه..»
فيما الثنائية المارونية بفعل المبالغة بالتقوى: بـدَلَ أن تُـديرَ الخـدَّ الأيسر للكفّ، واجَهتْـهُ بالمدفع، ولم يخمُـدْ لسانُ نـارٍ إلاّ ظـلّ تحت الرمادِ نـار.
هكذا يستوحي هنري الثامن ملك إنكلترا إيمانَهُ المسيحي بالقول: «إذا كان الربُّ موجوداً حقّاً في الكتاب المقدّس، فإنيّ أكون قد أكلتُ في حياتي عشرين ربَّـاً (2)».
الثنائي الشيعي يعطّل ولادة الحكومة إلاّ بشروطه… ومن قبيل أنَّ الضـدَّ يُظهر حسنَهُ الضـدُّ: لو أنّ هناك ثنائياتٍ متَّحِدةً مماثلة: مسيحيةً سنيّةً درزية، لكانتْ توازَتْ قدرةُ الفعل في التعطيل، وتوازُن القدرةِ سلبيّاً يؤول إلى التسهيل الإيجابي ، حتى ولو كانت الحكومة أشبه بالمجلس المِـلَّي، ونصَّبتِ السياسة نفسها ديانـةً جديدة تنافس أديانَ الله، كمثل مَـنْ يسلّم بقول الشيخ ابراهيم اليازجي.
«والخيـرُ كلّ الخيـر في هـدْمِ الجوامع والكنائسْ.
الحلُّ في دولة مدنية، تفضّلوا…
منذ ما يقاربُ العام، وضعتُ أنا مذكّرةً حول الدولة المدنية في لبنان مقرونةً بآراء أهل العلم والفقْهِ والدين، تـبِّررُ قيام الدولة المدنية دينيَّـاً، وسلَّمتُ هذه المذكرة إلى الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بـرّي، فقوبِلتْ بترحيب حماسي، وسرَّني أنْ أشهد فيما بعد غيـرَ موقفٍ إعلامي لكلٍ منهما يطالب بالدولة المدنية على أنّها الحـلُّ ولا بديل.
مع بداية الدورة البرلمانية سنة 1946 ترشّح حبيب أبو شهلا الأرتوذكسي ضـدَّ رئيس مجلس النواب صبري حماده وفاز أبو شهلا بأصوات أقطاب النواب الشيعة: مثل كاظم الخليل ورشيد بيضون وعادل عسيران.
وفي 21 تشرين الثاني 1946 تقدم صبري حماده باقتراح قانون يلغي الإعتبارات الطائفية من الدستور، فأحاَلتْـهُ الأكثرية النيابية على لجنة الإدارة والعدل، ولا يزال هذا الإقتراح مدفوناً في أدراجها.
أمّا… ألاَّ تكون دولة الطائف، ولا دولة طائفية، ولا دولة مدنية ، فهذا يعني ألاّ تكون دولة ولا حكومة، إلاّ حكومة الذين في المنفى، وحكومة المنفيّين من التاريخ.
أنا لا أصدق أنَّ سبب التعطيل الحقيقي شغَفٌ بالحقائب وهِيامٌ بالوزراء…
ولا أصدّق أنَّ هناك مَـنْ يضحّي بوطنٍ ولا يضحّي بوزير، وأنّ مصير الوطن معلّقٌ بحقيبةٍ وزارية، فيما اللبنانيون يحزمون حقائبهم هـرَباً من هذا اللبنان، حيث الموت في البحار غرقاً، أرحمُ من الإحتراق في «جهنّم» الحكم: «وجهنمٌ في العـزِّ أطيبُ منزلِ»
يقول الإمام علي: «خُـذِ الحكمة ولَـوْ من أهلِ النفاق».
حين تمّـتْ المصالحة بعد طول قطيعة بين الرئيسين الأميركيين: هاري ترومان وريتشارد نيكسون، قال نيكسون: «حين يتعلّق الأمر بمصالح البلاد العليا لا يعود هناك جمهوريّون وديمقراطيون، بل نصبح جميعاً أميركيين…»
أيها المسؤولون اللبنانيون: متى تصبحون لبنانيين..؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1– «التفاهم» الذي تمَّ بين حزب الله والتيار الوطني الحـرّ في كنيسة مار مخايل في الشياح.
2– قصّـة الحضارة: وَلْ ديورانت: المجلّد 6 – الجـزء: 4 – الفصل 25 – ص: 149.
