خصوم الحريري يعترفون: نجح الرجل في خلط الأوراق ولن يقدّم تنازلات
«الثنائي الشيعي» قلق من قانون الستين و«تحالف رباعي» من نوع آخر؟!
تحالف معراب ليس ظرفياً بل مبني على تفاهمات لاستعادة دور المسيحيين
ثمّة من يعتقد، على ضفة الثامن من آذار، أن عنصراً جديداً دخل على المشهد السياسي في خضم مشاورات تأليف الحكومة يتمثل في الموقف الذي أعلنه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق بأن الوزارة على جهوزية لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها المقرر في أيار المقبل على أساس قانون الستين، وأن أي قانون آخر يتطلب تأجيلاً تقنياً، نظراً للحاجة إلى وضع ترتيبات إدارية لتنفيذه.
والتعاطي مع كلام المشنوق الذي وُصف بـ «الزلزال»، لا ينطلق من فرضية أنه كلام تقني يتعلق بوزارته قاله كوزير للداخلية في مؤتمر نظّم عن الانتخابات، بقدر ما ينطلق من كونه كلاماً سياسياً يُعبّر عن وجهة نظر «تيار المستقبل»، ويثير الريبة حيال تسريبات جرى الحديث عنها في إطار مضامين الصفقة الرئاسية التي آلت إلى تبني رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري لخيار العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية. ما يجري التوقف عنده على ضفة «الثامن من آذار» توقيت الكلام بين الآتي بين التكليف والتأليف، في ظل قراءة للواقع المتغيّر للحريري منذ أن سار في التسوية الرئاسية.
فالرجل كان يُنظر إليه على أنه في واقع مأزوم، وهو ذهب إلى هذه الخطوة في سياق إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فإذا بالصورة تبدو اليوم مغايرة. الحريري في وضع مريح تماماً، حيث أن اتفاقه مع عون أفضى إلى الإتيان بزعيم «التيار البرتقالي» رئيساً للجمهورية وبزعيم «المستقبل» رئيساً مكلفاً للحكومة، ونجح في مدّ جسور من الثقة مع الشارع المسيحي الذي كان يرى في رفضه لمجيء «الرئيس القوي» المعبّر عن الثقل المسيحي موقفاً معادياً، وكذلك نجح في إعادة ترتيب علاقته مع «القوات اللبنانية»، التي انتكست في ضوء ترشيح الحريري للنائب سليمان فرنجية.
واستطاع سريعاً أن يُعيد ترتيب بيته الداخلي، إذ شكّل انعقاد مؤتمر «المستقبل» وحجم الحضور والمشاركة، والحيوية التي أطلقها، قفزة نوعية في البيت الداخلي، في وقت كانت الرهانات تنطلق من تفكك وضع التيار وتزعزع قواعده. وهو اليوم في طريقه إلى ترتيب وضعه المالي بعد الكلام الكثير عن انهيار «أمبراطوريته المالية». هذه الوقائع تدفع بتحالف «8 آذار» إلى الخروج باستنتاج أن الحريري نجح في خلط الأوراق وتجاوز الصعوبات التي كانت تحيط به ليخرج إلى واقع جديد حيث هوامش حركته السياسية أصبحت أكثر مرونة.
والانطباع السائد لدى هؤلاء أن الحريري ليس في حال المأزوم أو المحاصر المفروض عليه أن يُقدّم التنازلات في مسألة تأليف الحكومة، كما كان عليه الحال سابقاً مع تشكيل حكومته في العهد السابق، لا بل تذهب قراءة «8 آذار» إلى أن التأخر في إنجاز تأليف الحكومة يصبّ في مصلحته ومصلحة القوى المؤيدة لبقاء «قانون الستين»، إذ أن ضيق الوقت بعد انطلاق عمل الحكومة، في إنجاز قانون للانتخابات والدخول في مهلة دعوة الهيئات الناخبة، سيضع الجميع أمام احتمال من اثنين: إما السير بالانتخابات في موعدها على أساس «الستين»، أو الذهاب إلى تمديدٍ للمجلس بانتظار إقرار قانون جديد.
وما يُقلق قوى «8 آذار»، ولا سيما «الثنائية الشيعية» في واقع الأمر، هو طبيعة التحالفات التي تلوح معالمها إذا رست الأمور على «قانون الستين»، وهي تحالفات في ضوء اللحظة السياسية الراهنة تشي بأن لا فرصة لدى هذا التحالف في تحقيق أكثرية نيابية كان يطمح إليها. فتحالف «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» يُظهر، يوماً بعد يوم، أنه ليس تحالفاً ظرفياً مؤقتاً، بل هو تحالف متين مبنيّ على تفاهمات واضحة وبعيدة المدى، وتنطلق من تأمين مصلحة المسيحيين في إعادة استعادة دورهم في التركيبة السياسية، وسيكون مسحوباً حكماً على الانتخابات، وهو تحالف مفتوح على التوسّع ليشمل تيار «المستقبل» وحتى «الحزب الاشتراكي»، ما قد يضع المشهد الانتخابي أمام تحالف رباعي من نوع آخر في الانتخابات المقبلة، قادر على فرض قوته الانتخابية على نتائج الانتخابات، وتالياً على تركيبة الحكم المقبلة.
والبحث الذي يدور في كواليس قوى «8 آذار» يتمثل في: ما هي الأوراق التي تملكها هذه القوى لتعديل المجرى السياسي الراهن. فإجراء الانتخابات ليس رهن إنجاز تأليف الحكومة أو عدمها، ذلك أن حكومة تصريف الأعمال تستطيع قانوناً إجراء هذه الانتخابات، وبالتالي فإن إعاقة تأليف الحكومة ليست ورقة ضغط يمكن استخدامها بقدر ما هي ورقة تصبّ في مصلحة خصومها، الأمر الذي دفع ببعض الأصوات على هذا المقلب أن ترتفع، لربط المماطلة بين تشكيل الحكومة والاقتراب من المهل لدعوة الهيئات الناخبة، حتى أن بعض هؤلاء يتحدثون عن سيناريو كان يجري تداوله بأن يأتي عون رئيساً والحريري يُسمّى رئيساً مكلفاً، وتبقى حكومة سلام، حكومة تصريف أعمال، إلى حين موعد الانتخابات التي تجري على أساس «الستين»، وتفرز أكثرية جديدة لا تختلف عن موازين القوى التي أفرزها الاستحقاق الرئاسي لينطلق العهد بحكومته الأولى الفعلية على ضوء تشكّل السلطة الجديدة.
في رأي متابعين، أن ما يثار على ضفة «8 آذار» لا يُشكّل مفاجأة، ذلك أن الأجواء التي كانت سائدة منذ بدء الحديث عن إنجاز الاستحقاق، أن مختلف القوى السياسية ترى أن هناك حاجة لتأجيل الانتخابات والذهاب إلى تمديد المجلس النيابي الراهن لفترة من الزمن، ومدخل هذا التأجيل هو إما التوافق على إنتاج قانون جديد يُؤمّن صحة التمثيل قائم على أساس القانون المختلط ما يستدعي التأجيل التقني، وإما رفض إجراء الانتخابات على أساس قانون الستين، ومع استحالة إنجاز قانون جديد يصبح التمديد هو أهون الشرور.
لكن السؤال: ماذا سيكون عليه الحال إذا ما كان هناك إصرار داخلي معطوفاً على ضغط دولي لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها؟ وأي حسابات ستحكم عندها قوى «الثامن من آذار» و«الثنائية الشيعية» التي ترى نفسها أنها في موقع «المُحاصَر» على الرغم مما تمتلكه من فائض قوّة؟!
رلى موفّق